Wednesday 28th July,200411626العددالاربعاء 11 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

« تعرف إيه عن المنطق ؟ » « تعرف إيه عن المنطق ؟ »
نادر بن سالم الكلباني

في المسرحية الفكاهية المعروفة.. مدرسة المشاغبين.. سألت المدرسة تلميذها النجيب بهجت الأباصيري.. تعرف إيه عن المنطق؟ مبينة أنها أمضت أكثر من عشر سنوات من عمرها في دراسة المنطق الذي قال عنه تلميذها: إنه لا يكيل بالباذنجان.
وفي وقتنا المعاصر يبقى المنطق لغزاً يحير الكثيرين ومصطلحاً تتغير مفاهيمه ومرتكزاته بتغير واقع الحال تبعاً لتغير موازين القوى المادية والعسكرية أو لتسيد وتحكم جنون الغايات والأهداف حتى وان لم تسمُ هذه الغايات عن كونها تنفيساً رخيصاً للعديد من الغرائز المعيبة.. متحللاً من أي ارتباط بالنواحي الفكرية أو العقلية.. وتناقل الناس هذا المصطلح بتباين وتناقض كبيرين وفقاً لمواقعهم ورغباتهم وقوة تأثيرهم ففرضوا مناهج متعددة خالفت في شكلها ومضمونها كل ما كان متفقاً عليه حتى أصبح لكل حال ووضع منطق يصنع حسب ما تقتضيه الحاجة.. فاختلطت الأمور على الغالبية وتداخلت بشكل يصعب الفصل بينها فضاعت الحقوق ومرجعياتها وغيبت القيم والمبادئ المتعارف عليها والتي كانت تشكل الحد الفاصل بين فعل الشيء أو تركه.
ويبقى السؤال حائراً.. تعرف إيه عن المنطق؟... خاصة مع تفشي شعارات الرأي والرأي الآخر وحرية الاعتقاد والسلوك... وبعد أن أصبح لكل فرد تقريباً منطقه الخاص ولكل جماعة حقها في التعبير وممارسة ما تريد وفق منطقها الذي تحميه الجمعيات التي أشعلت الدنيا بدعواها المزعومة في الحفاظ على حقوق الإنسان والحيوان على حد سواء والتي فرضت منطقاً يحقق للشواذ ممارسة حرياتهم وللمنشقين أو المنحرفين حرية التمسك بمعتقداتهم.. وللخروج عن الدين والتقاليد المتعارف عليها منطقاً.. وللسفور والتبرج والتحلل من كل شيء منطقاً.. وعلى الآخرين أن يتعايشوا مع هذا كله ويحترموه وإلا وصفوا بمعاداتهم لحقوق الإنسان وكبح الحريات وربما بمعاداتهم للسامية.. فأصبح من المنطق أن يكون المرء في أي حال يريد.. وأن تتغير المواقف والمبادئ كيفما شاء ولن تعيبه الوسيلة في تبرير ما يكون أو من يكون، فيسجد أن لكل حال يختاره منطقاً ينادي به الكثيرون وتحميه الجمعيات الحقوقية.. فلم يعد مستغرباً أن تنتقد أو تحاسب على أمر ما وفي الوقت نفسه تكرم وتكافأ عليه.. ففعل الشيء ونقيضه اصبح أساس المنطق الحديث الذي لا يكفي التسليم به بل يتعدى الأمر ذلك إلى نشره وتبريره في جميع الأحوال.
وهكذا يفسر المنطق ويستخدم وفقاً لموازين بعيدة عن العقل والفكر لتتمشى مع الحاجة والظرف.. فالتمسك بالمثاليات في منطق البعض أهم ممارسات الإنسان لإنسانيته وأساس لتصحيح الأمور بينما بمنطق آخرين هو تهور وحماقة في زمنٍ كلُّ شيء فيه يتغير.. والنفاق يرفضه ويقبحه البعض وفق منطق معين يتبنونه بينما يراه البعض الآخر الوسيلة الأسهل للوصول للغايات ويرون أن من حق المرء استخدام أسهل الطرق للوصول لغاياته..
والإذعان أو القبول بالواقع يراه البعض ضعفاً يجب التخلص منه بينما في منطق آخرين هو حكمه ومسايره لواقع ومنطق الحياة.. والغيرة على الشرف والعرض والمحافظة عليهما من جانب هي قيم يجب عدم المساس بها.. ومن جانب آخر هي تخلف وعدم ثقة بالنفس وبالآخرين..
وبعد هذا كله.. تلعثم التلميذ في مسرحية مدرسة المشاغبين في الإجابة على سؤال مدرسته.. هو منطق.. له ما يبرره في زمن اصبح للكل الحق في أن (يتمنطق) بما يحقق رغباته ويتوافق مع أهدافه..
لكن السؤال يبقى دائماً حاضراً وحائراً وثائراً.. تعرف إيه عن المنطق ؟؟


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved