اندفع بعض الفلسطينيين بانفعال نحو التعاطي مع أحداث غزة التي بدأت بالإطاحة ببعض المسؤولين في القطاع الأمني؛ على خلفية ما يُثار من فساد، وعلى خلفية الدفع بإصلاحات منتظرة تثير الكثير من اللغط، غيرَ أن الكثير من الفلسطينيين، مع اقتناعهم بما يُثار حول الفساد والإصلاحات، رأوْا أن مباشرة هذه الموضوعات، بالطريقة التي تمّت بها في غزة، تهدّد كامل الصف الفلسطيني، وتترك ندوباً في الجسد الفلسطيني من الصعب محوها.
ويبدو أن أصحاب الموقف الأخير هم الذين استطاعوا إعادة قدر من التهدئة إلى ساحة كانت تقف على شفا الاشتعال. وسيكون مفيداً مع تجنب الأسوأ عدم تجاوز الطريقة التي تمّ بها تناول الملفات المطروحة، وإنما التوافق على استبعاد الأساليب التي تصل إلى حدّ رفع السلاح في وجه الإخوة أو اللجوء إلى الاختطاف والتهديد. وكلها أساليب ستفيد في النهاية العدوَّ الإسرائيليَّ المتربّص بالجميع؛ سلطة ومعارضين على الساحة الفلسطينية.
ومن المهمّ جداً التنويه بجهود هؤلاء الذين استطاعوا حلحلة الأزمة، كما أن من المهمّ للغاية الإصرار على تنبيه أولئك الذين يتعجّلون القفز فوراً إلى بنادقهم حال نشوب أيّ خلاف، وكأنّ الإقصاء سيكون الحلّ السحريّ لكلِّ ما تعجّ به الساحة الفلسطينية من مشاكل.
إن المطالبة العنيفة بالإصلاح تعني أن هناك مَن يسعى لفرض أسماء معينة، مع أن أبجديات الإصلاح تفترض وجود قدر من التوافق على الأسلوب، وعلى الأشخاص.
وكان لافتاً - في إطار تسوية الأزمة - الاتصالات المكثفة التي شهدها الصف الفلسطيني، حتى بين بعض القيادات التي انقطعت مطولاً الاتصالات بينها بسبب خلافات قديمة. ولعلّ ذلك يؤكد كيف أن الساحة الفلسطينية استشعرت خطورة ما يجري، كما أدركت انعكاساته على الهمّ الأساسيّ المتمثل في مواجهة الاحتلال، وهو أمر يستوجب وجود حالة فلسطينية سويّة متراصّة، ومتأهبة لكلّ مؤامرات العدوّ وأساليبه الملتوية؛ للانتقاص من الحقوق الفلسطينية.
ومن المهمّ أيضاً استثمار قوة الدفع المتولدة عن هذه التسوية، واستنباط الدروس المستفادة منها؛ لتكون بمثابة (قواعد السلوك) لدرء أخطار مثل تلك المصاعب إن أطلت برأسها مجدّداً.
|