لا تزال الكتابات والطروحات التي تتناول موضوع المرأة بوجه عام وحقوقها على وجه الخصوص تتسم بعموميات متواترة وبمواقف مكرورة، وهو ما صرح به الكثير من الكتاب الذين يهتمون بمعالجة هذه المسألة التي جعلتها أساليب التناول شائكة مع أنها ليست كذلك، قد يمكن وصفها بأنها حساسة نظراً للمعطيات الاجتماعية والموروث الاجتماعي العام إلا أن حساسيتها هذه لا تعدو كونها نقطة تلاق لكثير من الأفكار التي لا يستطيع - للأسف - البعض من الإفصاح عنها بشكل مباشر لا لبس فيه ولا غموض، على الرغم من المعالجة المباشرة لهذه المسألة في الشريعة الإسلامية بما تتضمنه من حقوق وعلاقات أسرية واجتماعية، وهو ما جعلها تتقدم على كثير من الموضوعات في كتب السيرة والتاريخ الإسلامي، منذ بدأ التشريع يأخذ مجراه إلى التطبيق المباشر والواضح، وذلك يعود إلى بداية العصر الإسلامي الأول.
لكننا وبعد قرن ونصف تقريباً نراوح مكاننا، ونتخذ من (اللف والدوران) حول هذه الحقوق حصان طرواده الذي لن ينفعنا هذه المرة.
نحن في حاجة إلى تصنيف هذه الحقوق ووضعها ضمن سلم بأولويات وما يتبعها أكثر مما نحن في حاجة إلى الصراع حول أحقية هذه الحقوق ولزومها، وهو ما دأبت عليه معظم دراساتنا وبحوثنا في هذا المجال، خاصة في الآونة الأخيرة التي بدا فيها الانتصار لحقوق المرأة مؤكداً.
كي نواكب عصرنا، ونفي متطلباته ما تستحق من أداء، لابد لنا من إعادة النظر في نظرتنا إلى كائن حي اسمه المرأة نالت من الحقوق أيام الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومن بعده الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، فالسلف الصالح كل ما شرع لها، وتم الاعتراف به وحيا لا إيحاء، وحقيقة لا تهجيا ووهما.
اعترف أن الحساسية التي تبدو لنا الآن بين سطور الكتاب والباحثين إنما مردها إلى نقص في الشجاعة، وخوف من تحمل المسؤولية، والشجاعة وتحمل المسؤولية أمران كريمان يجب أن نباشرهما لا أن نتهرب منهما.
ولعل النسبة الكبرى ممن يهتمون بمكانة مقزمة المرأة وحقوقها حالياً إنما ينطلقون في ذلك من موقف سياسي، ربما يجبرهم على تبني ما نلاحظه من مواقف بعيدة عن الصراحة والوضوح.
مشكلتنا الحقيقية لا تكمن في غياب الثقافة بين الكتاب والباحثين، لكنها تعود إلى لجاجة في القلم وستر للبصيرة، ولو كان الأمر غير ذلك لما قرأنا هذه الأيام عن حقوق ممسوخة، وعن مكانة يحاول البعض تصويرها لنا على أنها مكتسبات كبرى.
ربما من الفضل للحياديين أن يتدخلوا - وهم مطالبون بذلك الآن أكثر من أي وقت مضى - لمؤازرة المرأة في معركتها الحقوقية، مثلما على المرأة ذاتها أن تجهر في طلبها تلك الحقوق، وذلك خير من أن تسألها، أو تتوسل للحصول عليها.
لا أزال أذكر حين اجتمع ولي العهد الأمين بمجموعة المشاركات في الحوار الثالث، حين قال -حفظه الله-: يجب أن نذكر أن المرأة هي أمنا وأختنا زوجتنا وبنتنا، ولن يهدأ لنا بال حتى تحصل على كامل حقوقها، فمتى ينهج كتابانا وعلماؤنا مثل هذا النهج الأصيل؟ ومتى تستفيد المرأة من مثل هذا الموقف النبيل... وتاليتها؟!
فاكس: 2051900 |