يظل التعداد السكاني أحد أبرز العوامل الضرورية لصياغة ورسم وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات والبرامج الوطنية على اختلاف مقاصدها. ذلك أنه يتيح لواضعي الخطط وصانعي القرار مجموعة من البيانات والمعلومات عن العديد من المتغيرات السكانية والاقتصادية والاجتماعية والتي لا يمكن العمل بدونها، ولأجل أن يكون الإحصاء السكاني مؤدياً للغرض الذي من أجله ينفذ فإنه لابد وأن يكون دقيقاً، ولن يكون كذلك إلا في ظل توافر شرطين أساسيين.
أول هذين الشرطين إدراك الجميع أهمية الإحصاء وإحساسهم بالمسؤولية عند إعطاء المعلومات وعند تقييدها. فمن يقوم بإعطاء المعلومة لموظف التعداد يفترض أن يقدمها بطريقة واضحة أمينة صادقة، ومن يقوم بتسجيلها يفترض فيه أن يكون دقيقاً حريصاً على وضع كل معلومة في مكانها الصحيح وفقاً للطرق والأساليب العلمية بحيث يسهل تفريغها والرجوع إليها عند الحاجة.
ويأتي استشعار أهمية الإحصاء في حياة المجتمعات عن طريق البرامج التوعوية وورش العمل والندوات التي تسبق تنفيذه بوقت كاف. فنحن بحاجة إلى محو الصورة السائدة عن التعداد السكاني من أنه مجرد التعرف على عدد السكان الإجمالي وتقسيمهم إلى مواطنين ومقيمين، ذكور وإناث واستبدالها بالمفهوم الصحيح للتعداد ومقاصده والآثار التي يمكن أن تنتج عن التعامل الدقيق والسليم مع المعلومات والبيانات المطلوبة سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع وما المتوقع حدوثه في حال حصول العكس.
وثاني الشرطين هو وضع تعاريف ومعايير موحدة ومفهومة لكل من موظفي التعداد والسكان للمتغيرات الإحصائية المراد جمع بيانات عنها. فمثلاً لابد أن يكون مفهوماً المقصود بالعامل والعاطل عن العمل، بمعنى كيف يصنف من يعمل بشكل موسمي أو في فترات متقطعة؟ هل يصنف على أنه عامل أم عاطل؟ فلربما جاء موظف الإحصاء في وقت كان يعمل فيه هذا الشخص وأعُطي معلومة تفيد بأنه عامل بينما ربما يصنف وفقاً لتعريف العامل لدى الجهة القائمة على التعداد على أنه عاطل. ولربما صنف آخر حالة مشابهة لهذا كذلك. ومن الأمثلة الاتفاق على مدلول كلمة طالب هل كل من هو في سن الدراسة سواء كان يدرس أم لا يصنف كذلك أم هو من يدرس فعلياً.
والمتغيرات التي ينبغي الاتفاق على معانيها ووضع معايير موحدة لها واستيعابها من قبل الجميع كثيرة ومتعددة. ولاشك أن إدراكها بشكل جيد يسهم في إخراج بيانات دقيقة ويؤسس لبرامج التعداد المستقبلية، ويساعد في عمل المقارنات اللازمة وفقاً لمعايير منمطة ومحددة.
إن أكثر مشاكل الدول النامية مع برامج التعداد السكاني تنبع من هذين الأمرين إما عدم إدراك لأهميته وبالتالي لا مبالاة وتساهل وعدم دقة في إعطاء المعلومات ورصدها، أو عدم استيعاب مفرداته ومدلولاتها بشكل سليم وبالتالي عدم دقة تصنيف المعلومات المقدمة أو الأمرين معاً. ولا شك أن هذه المشاكل تفقد التعداد جزءاً كبيراً من وظائفه وتسهم في إيجاد حالة من عدم الانسجام بين الخطط والاستراتيجيات الموضوعة واحتياجات المجتمع.
|