Wednesday 28th July,200411626العددالاربعاء 11 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مركاز مركاز
طقوس القراءة
حسين علي حسين

لا توجد حيرة أكبر من حيرة قارئ تصطف أمامه طوابير أو صفوف من الكتب ، كلها بحاجة لمن يقرأ ويدقق في ما يقرأ ، وخلال ذلك وربما قبله يستمتع بما تراه عيناه ويحس به قلبه أو عاطفته أو نشوته ، لكن هذا القارئ ليس أكثر من عينين ، وبعض الناس يستعير عينين وهذا مهمته هو ومن يقرأ له أكثر مشقة وألماً.
لقد تعودت أن أتجول كل يوم في السوبر ماركت لاختيار الصحف ، وفي المنزل على الوقوف اسبوعياً أمام ممر وغرفتين ورف كامل في غرفة النوم ، أقف أمام كل هذه الكتب لاختار كتاباً أو كتابين ، لكنني في الغالب قد لا أقرأ أياً منهما ، لأدفن رأسي في كتاب ابن لحظته ، وهذا ما يجعلني بين وقت وآخر أقوم بترحيل من انتهت تأشيرته في غرفة النوم إلى مستقره ، لاستقدم مرشدين جدداً أتعلم على أيديهم الحرف بكافة أشكاله وألوانه!
لقد وجدت من تجاربي مع الكتب ، أن هناك من يجلس إلى الكتاب ساعة واحدة ، يقوم بعدها وقد انتهى من كافة الصفحات ، هذه الساعة يقابلها عند قارئ آخر أربع أو خمس ساعات متواصلة لقراءة نفس الكتاب ، بل إن هناك من تتضاعف هذه المدة لديه ، والفرق ليس في القراءة الجادة ، أو قراءة نقر العصافير ، لكن الفرق هو في طريقة القراءة ، هناك من يقرأ وكأنه يستمع إلى سمفونية هادئة ورقيقة ، وهناك من يجلس أمام الكتاب وكأنه جالس أمام تنور ، وهناك من يجلس أمامه وكأنه جالس أمام أحد الحكماء ، حيث الإنصات الجيد والتهميش وكتابة الملاحظات ، كل شخص الآن يقرأ الكتاب بطريقته الخاصة ، كل هذا ليس مهماً ، المهم في النهاية ماذا أضاف الكتاب لقارئه؟
وحتى يضيف الكتاب إلى قارئه شيئاً ، فإن هناك العديد من الشروط ، فليس كل كتاب يليق بالقارئ ، وليس كل قارئ يليق بأي كتاب ، فالكتب مثل الغذاء ، فهناك أناس لا تطيق أمعاؤهم الفول والطعمية ، وهناك أناس لا تطيق أمعاؤهم الوجبات الدسمة ، وهناك أناس يموتون في الأكلات السريعة ، لذلك من الضروري أن لا يقبل المرء على كتاب لا يدخل إلى نفسه ، حتى وإن تعلق الأمر بطريقة طباعة أو تجليد الكتاب.. القارئ المتذوق يقلب الكتاب ، يتفقد صفحاته ، غلافه ، فهرسه ، وقبل ذلك سنة طبعه ومؤلفه ، ثم يشتريه أو يضعه على رفه ، ويحتفظ بنقوده لنفسه ، أما إذا أعجبه فإنه يأخذه على عجل وقد لا يفاصل أو يدقق في قيمته ، وهو حالما يصل إلى المنزل يشرع في القراءة صفحة من هنا وصفحة من هناك ، منتظراً بفارغ الصبر الوقت المناسب لالتهام صفحات الكتاب ، قارئ مثل هذا تجده يجود بماله لمن يطلبه لكنه لا يجود بكتاب قيمته عشرة ريالات!
أن التعود على القراءة الحرة ، كفيل بخلق جيل من الشباب ، قادر على أن يشق طريقه في الحياة دون عقد أو مصاعب ، فكل كتاب جيد هو بمثابة مصباح ينير الطريق عبر ظلمات أو تصاريف الحياة اليومية ، إضافة إلى أن القراءة توسع المدارك ، وتفتح العديد من المجالات أمام أبنائنا وبناتنا.. إننا بحاجة إلى الالتفات نحو القراءة ، بكافة أشكالها وألوانها وتخصصاتها ، قراءة مفتوحة على كل شيء ، وبأرخص الأثمان.
إن الدول الراقية تدعم الكتاب والمكتبات العامة بدون حدود ، بل إن بعض الدول العربية أصبحت تشتري حقوق طبعة واحدة ، من أبرز الكتب العربية والمترجمة ، ثم تطبعها على نفقتها الخاصة ، وتوزعها عبر المكتبات والمدارس والجامعات بأسعار رمزية ، لخلق جيل يقرأ ويختار ما يقرأ ، وبعد ذلك كله يخرج بنتيجة مما يقرأ.
أن وسائل الاتصالات اتسعت وتشعبت ، لكن الكتاب وحده ما زال يتسيد الوجدان والعين ، وهو الصديق الوحيد الذي لا تجد بُدّاً من صداقته ، وأنت سعيد وممتن لمثل هذا القرار.

فاكس 014533173


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved