الوضع الحالي للقوات الأمريكية في العراق تحوَّل من قوات للاحتلال إلى قوات تعمل ضمن القوات متعددة الجنسيات، غير أن جانباً من العراقيين لا يزالون يرون فيها قواتاً للاحتلال، ولهذا فهم مستمرون في محاربتها. وعمدت القوات الأمريكية في الآونة الأخيرة إلى إشراك القوات العراقية في دورياتها؛ ما أفسح المجال أمام مواجهات أكثر عراقية عراقية.
وأصبح مشهد العراقيين يتقاتلون على الأرض، بينما تقوم المروحيات الأمريكية بقصف أحد الفريقين، مشهداً يتكرر في عدة مدن عراقية من الفلوجة إلى الرمادي، دافعاً بحقائق جديدة ومريرة إلى الواقع العراقي المثخن بالجراح.
هذا الواقع يمكن أن يتدهور أكثر؛ لتنغرس عميقاً مرارات من الصعب إزالتها في قادم الأيام، خصوصاً عندما تغادر قوات الاحتلال أو القوات متعددة الجنسيات، ويومها يتعين على العراقيين محاولة ترميم ما أفسدته الفترة الماضية؛ استعداداً للحكم الوطني الخالص المبرَّأ من كل سمات الاحتلال.
ومن الواضح أنه مطلوب الآن قبل الغد نوع من التوافق العراقي؛ لتأكيد الثوابت المتعلقة بتمتين الوحدة الوطنية على حساب كل ما هو زائل، فالوطن يبقى وسوف يذهب الاحتلال بكل مآسيه وسلبياته. وهذا أمر ينبغي التأكيد عليه من أجل تعزيز الإحساس بالواجبات الوطنية، ومن أهمها الحفاظ على الكينونة العراقية من التمزُّق الذي هو نتيجة حتمية للصراع بين أبناء الوطن الواحد.
ويستفيد الوجود الأجنبي، بمختلف مسمياته، من هذا الخلاف بين الأشقاء، خصوصاً مع وجود أجندة خاصة بذلك الوجود دفعت به أصلاً إلى القدوم وافتعال الحروب.
السلبيات المرتبطة بقتال الإخوة تجعل من اليسير تنفيذ كل أهداف الآخرين ومخططاتهم، خصوصاً عندما يكون الهم الأول لأهل البلاد قتل بعضهم البعض. ولهذا، فهناك مَن يتحدث ليس فقط عن فظائع الاحتلال وممارساته، بل أيضاً عن مخططات إسرائيلية يجري تنفيذها بواسطة أفراد إسرائيليين يسرحون ويمرحون في العراق مستفيدين إلى أقصى مدًى من الوجود العسكري الأمريكي، الذي لا يكف عن طرح نفسه كقوة احتلال من خلال مختلف ممارساته.
فقد كشفت الضابطة الأمريكية التي كانت مسؤولة عن سجن (أبو غريب) سيِّئ السمعة أنها قابلت إسرائيلياً زار السجن، واعتقدت لأول وهلة أنه عربي؛ لأنه يتحدث العربية.
وكانت مهمة ذلك الإسرائيلي استخباراتية، ولا يُعرف على وجه التحديد كم إسرائيلي ينتشرون في الساحة العراقية التي تكتظ بشذاذ الآفاق من كل مكان.
هذا إلى جانب نشاط مكثَّف للإسرائيليين في الشمال العراقي، يؤجِّجون دعاوي الانفصال، ويعملون على تركيز وجود يستمر مستقبلاً.
والأمثلة على غياب الوعي بالأخطار بسبب الصراع الداخلي كثيرة، وكل منها يحتِّم أن يلتفت العراقيون إلى الأخطار الحقيقية المحيطة بهم.
|