حدثني المرحوم محمد بن ناصر بن صقر السياري وهو من الرجال الأفاضل الذين يندر وجودهم لما يمتاز به من الصدق والعفة والكرم واللباقة وسلاسة الحديث في رواية القصة أو القصيدة. فقد كان رحمه الله لا يضمه مجلسا إلا ويكون متصدره لتوفر هذه العناصر في شخصيته - رحمه الله - وها هو قد رحل وبقي من آثار روايته ما أورده لكم بكل أمانة وصدق كما رواه لي ونحن نعبر الطريق فيما بين الرياض وبلدة الغطغط حيث كنا في ضيافة المرحوم أيضاً ناصر بن نويصر الرجل الذي يندر وجوده هو الآخر لما يمتاز به من بذل المعروف واكرام الضيف ودماثة الخلق. ان هي إلا شهادة أسطرها عبر هذه الصفحة وفي ثنايا هذه القصة بعد أن خطفتهما يد المنون حتى لا أتهم بشبه المجاملة لهما فليرحمهما الله ويجعل البركة في ذريتهما.
قال السياري: إن زيداً من الناس وقد أوضح لي اسمه واسم قبيلته وانه حي يرزق الآن ولكني احتفظ لنفسي بهذا. قال: :كان بجانب قصر ثليم مسجد يعكف فيه بالعشرة الأواخر في رمضان عدد من الرجال كفيفي البصر حتى ينتهي الشهر وتكون ليلة العيد حيث يأمر جلالة الملك الراحل عبد العزيز - طيب الله ثراه - بصرف كسوة كاملة أرفعها البشت وأنزلها العمامة للمعتكفين بهذا المسجد والمساجد المماثلة وكان صاحبنا عديدا شديدا فحاك في نفسه الحصول على هذه الكسوة التي تصرف صدقة من الملك على المعتكفين بالمساجد فتظاهر بأنه كفيف البصر ودلف للمسجد الذي بجانب قصر ثليم في العشرة الأواخر من رمضان وانضم لمركب المعتكفين بهذا المسجد حتى ينال ما ينالونه من كسوة وصدقة من المتصدقين وما ان انتهى الشهر وصارت ليلة العيد وصرفت الكسوة واستلمها على أساس انه كفيف البصر ومن المعتكفين. وأراد أن يخرج ويودع الاعتكاف بالمسجد ويلبس أو يبيع ما احتصل عليه من كسوة، فإذا به كفيف البصر فعلا لا تصنعاً فأصابه شيء من الذعر واتجه لله سبحانه وتعالى قلبا وقالبا وصار يتصدق بما ينال من حطام الدنيا واستمر على هذه الحال مدة خمسة عشر عاما فأراد الله ان يشفيه فشفي تماما وعاد إليه بصره وقد تقدم به السن فاعتكف في أحد المساجد عن قناعة حتى وقت رواية السياري هذه القصة. بقي ان تعرف عزيزي القارئ ان هذا الرجل صار كفيف البصر دون أي سبب إلا ما ذكر وعاد بصره إليه دون علاج إلا رحمة الله الذي وسعت رحمته كل شيء، أما قصر ثليم الذي ورد اسمه في هذه القصة فإنه ضيافة أحدثها جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - لكافة المسلمين يتناولون فيه وجباتهم الثلاث الأساسية دون أي مقابل وكان يرتادها النساء والرجال ومن أراد أن يحمل طعامه معه خارج قصر الضيافة فليفعل ولا يزال القصر باقيا حتى الآن ضيافة للحكومة ولكن نظامه اختلف عن السابق حيث كان يقدم الطعام لمن هب ودب أما الآن فإنه بمثابة فندق خاص للدولة يسكن به من احتاج إليه من الوافدين من أنحاء المملكة وهذه اسطرها للتاريخ..
والله الموفق.
حكايات من الماضي لمحمد بن زبن بن عمير |