تصل إلى فريق طاش ما طاش آلاف الأفكار، وأنا على ثقة كبيرة أن ما يصلح منها للتمثيل لا يزيد عن عشرين أو ثلاثين فكرة.
لماذا؟
بقدر ما لطاش ما طاش من إيجابيات فإن له عدداً من السلبيات.. من بينها ومن أهمها أنه طرح التمثيلية التلفزيونية كامتداد للزوايا الصحفية التي تُعالج قضايا الناس، وتُمارس دور كتَّاب المعاريض (كتَّاب العرض حالجية).. فالتركيز من فريق طاش ما طاش على مشاكل الخدمات دفع كثيراً من المشاهدين إلى الربط بين العمل الدرامي وبين التوجه الخدمي إذا جاز التعبير.
ليس غريباً أن تسمع في مجلس من المجالس من يقول: يا أخي يا ليتهم والله يعالجون قضايا مكاتب الاستقدام.. أو تسمع من يقول: يا أخي دوخونا في ها الجوازات.. متى ودك يسوون عنهم حلقة؟ أو تسمع من يقول: المدارس الأهلية ما تكفيها حلقة أو حلقتان.. هاذولا ما ينفع فيهم.. والا تسمع من يقول: ما أدري وش بلاهم ناسين الأحوال المدنية؟.. هذا التوجه يقود الكاتب غير المتمرِّس إلى فخ من الصعب النجاة منه، وهو ما أُسميه (فخ الكتابة المقلوبة).
لا أحب أن أدخل في التفاصيل الثقافية والفكرية التي تقف وراء مثل هذه النظرة للفن، لأني أرغب أن أتحدث لكثير من القراء عن بعض المسائل التقنية في كتابة السيناريو، ولكن كلمة سريعة في هذا الموضوع مهمة جداً.
الدراما في المملكة بما فيها الكتابة القصصية وقعت في ورطه حقيقية، فالذين يحاولون تحبيب الناس في المسرح، وفي الفن الدرامي ككل روَّجوا للمسرح على أنه وسيلة هادفة تُعالج قضايا المجتمع، وأن العمل الدرامي ليس إلا أداة مثله مثل الطائرة، أو التلفزيون يُمكن أن يُستخدم في الشر كما يُمكن أن يُستخدم في الخير.. فكلمة (أداة) أصبحت جزءاً من جوهر الفن في ذهن المواطن السعودي، فالفن لا يتم التعامل معه كحاجة إنسانية كالطعام، والحب، والطمأنينة، والأمن، وإنما هو سيارة أو فاروع أو كمبيوتر ممكن استخدامه وممكن طرحه.. لذا ليس غريباً أن يبدأ الكاتب الكتابة منطلقاً من فكرة مجردة.. أي يُقرر كتابة قصة، أو رواية، أو تمثيلية تلفزيونية تُعالج قضية الطلاق على سبيل المثال، وهو ما جعل كثيراً من الكُتَّاب يضع العنوان قبل أن يعرف ماهية النص.
يُمكن أن نضع تعريفاً أكاديمياً للطلاق ينتفع به الدارسون، والفلاسفة، وعلماء الاجتماع، ولكننا لا يمكن أن نثير حساسية أو فضول الناس.. فلو قِيل لك إن هناك محاضرة عن الطلاق.. لا أظن أنك سوف تتحمَّس لحضورها، ولكن لو سمعت صراخ جارك مع زوجته، لوضعت كل انتباهك وقدراتك في أُذنيك لتلتقط كل كلمة تُقال بينهما.
هناك فرق بين الحديث عن حوادث السيارات، وبين منظر حادث سيارة يجري أمامك.. لو قِيل لك إن هناك محاضرة عن حوادث السيارات المُريعة سوف تُلقى في جامعة الملك سعود.. لا أظن أنك سوف تذهب لحضورها إلا إذا كنت مختصاً، ولكن لو قِيل لك إن هناك حادثاً مُريعاً في طريق الملك فهد لركضت دون إبطاء لمشاهدته.
للموضوع بقية..
فاكس 4702164
|