تناقلت وسائل الإعلام تقريرمنظمة هيومان رايتس واتش عن معاملة العمالة الأجنبية في المملكة، وقد تضمن التقرير أمورا عديدة تم التركيز فيها على الجوانب التي ترى المنظمة أنها سلبية، وفيها استغلال للعمالة الأجنبية وانتهاك لحقوقها، وقد لا يكون هذا التركيز مستغرباً، فالمنظمة - بحكم اختصاصها - دأبت على إصدار تقارير سنوية عن جميع دول العالم، وهي تهتم عادة بما يبدو لها أنه سلبي أو غير طبيعي في هذا المجال، إلا أن تقرير المنظمة عن المملكة أبرز قضايا العمالة الأجنبية بشكل غير متوازن، وكأنما إساءة معاملة تلك العمالة هي الأساس وليست حالات وأوضاعا فردية محدودة يمكن أن تحدث في المملكة أو في غيرها من دول العالم الأخرى، ولذلك أود أن أبين الآتي:
أولا: رغم أنه لا يمكن استبعاد حدوث بعض التجاوزات التي تهتم المملكة بمعالجتها من خلال اللجان العمالية والأجهزة القضائية الأخرى، فإن الاستنتاجات التي توصل إليها تقرير منظمة هيومان رايتس واتش قد بنيت على حالات محدودة من بعض الذين كانوا يعملون في المملكة من ثلاث جنسيات منتقاة، ولا تعكس تلك الاستنتاجات الصورة الحقيقية لأوضاع العمالة الوافدة في المملكة، فالسعودية تستضيف حوالي سبعة ملايين من العمالة الوافدة التي تستفيد من فرص العمل المتاحة في الاقتصاد السعودي، وتقوم بتحويل مبالغ كبيرة إلى بلادها تبلغ حوالي 60 مليار ريال سنويا.
وبالتالي فإن المملكة من خلال استقدام هذه العمالة تسهم بصورة مباشرة في إنعاش اقتصاديات الدول التي أتت منها لدرجة أن الكثير من تلك الدول تتنافس في إرسال عمالتها إلى السعودية، وهناك ملايين العمال الذين يكررون الحضور إلى المملكة بغرض العمل مرات عديدة، وهو أمر ما كان ليحدث لو كانوا يتعرضون لسوء معاملة على النحو الذي بالغت المنظمة في وصفه.
ثانياً: لا تخلو أي بيئة عمل من مشكلات وسلبيات، وتوجد هذه المشكلات في بلدان العالم بما في ذلك الدول المتقدمة صناعياً مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، ولهذا السبب أوجدت دول العالم تشريعات وقوانين لتنظيم العلاقة بين العاملين وأصحاب الأعمال، وتحديد حقوق والتزامات كل طرف، ومعالجة المشكلات التي تنشأ بينهما، ونظرا لوجود هذه الملايين العديدة من العمالة الوافدة في المملكة فإن نسبة معينة من المشكلات لابد أن تظهر نتيجة للخلافات المعهودة التي تقع في أي بيئة، وقد احتوى نظام العمل السعودي - وبشهادة تقرير منظمة هيومان رايتس واتش نفسه - على الكثير من المواد التي تضمن العدالة في التعامل مع العمالة، وتحفظ الحقوق المالية والإنسانية للعامل، وتعاقب على الممارسات غير الإنسانية، ولا يفرق النظام في ذلك بين السعودي وغير السعودي.
ثالثاً: بالإضافة إلى ما تضمنه نظام العمل والعمال من مواد تحمي حقوق العمالة، هناك قرارات عديدة صدرت وأعطت العامل الوافد حقوقا كثيرة، ومنها قرار مجلس الوزراء رقم 166 وتاريخ 12-7-1421هـ، وهذه القرارات تستهدف تنظيم العلاقة بين العامل الوافد وصاحب العمل، وتضع الضوابط التي تحقق العدالة والإنصاف لطرفي العلاقة.
رابعاً: توجد لجان عمالية متخصصة تتولى تطبيق نظام العمل والعمال في المملكة، وتهتم بكل ما يصلها من شكاوى وقضايا، وقد بحثت هذه اللجان وبتت في أكثر من 7000 قضية تلقتها في عام 1424هـ معظمها قضايا مرفوعة من عمالة وافدة، ووصل عدد القضايا التي تم بحثها حتى الآن خلال العام الجاري (1425هـ) أكثر من 3500 قضية، وهذه القضايا تؤخذ باهتمام وجدية، إلا أن البت في القضايا العمالية يتطلب أحيانا بعض الوقت للاستماع إلى الأطراف المتعددة المعنية بها، وهذا شأن القضاء في أي بلد.
خامساً: إن المشكلة الحقيقية والأساسية في معظم الأحيان تتمثل في عدم معرفة العامل الوافد لحقوقه التي كفلتها له الأنظمة القائمة، وتسعى الأجهزة المعنية في المملكة إلى القضاء على هذه المشكلة عن طريق التوعية، ولكن رغم الجهود المبذولة في هذا المجال فإنه يصعب توصيل المعلومة لكل عامل مستقدم، وذلك بسبب تعدد اللغات واختلاف البيئات وتنوع مستويات العمالة. ولذلك نحن نناشد السفارات والدول المختلفة بأن تتعاون معنا في هذا المجال، وأن تقوم بتوعية وتثقيف رعاياها المستقدمين إلى المملكة بحقوقهم، خاصة وأن كثيرا مما ورد في تقرير المنظمة بشأن استغلال العمالة الأجنبية منشؤه بلدان العمالة نفسها من خلال ممارسات مكاتب التوظيف القائمة هناك والتي تعطي العمالة وعودا كاذبة بشأن الأجور وشروط العمل بغرض الحصول منها على رسوم عالية.
سادساً: إن ما ورد في التقرير من انتقادات - بغض النظر عن حقيقتها - هي في مجملها أمور يعاقب عليها نظام العمل والعمال، إلا بالنسبة لبعض الانتقادات ذات الطابع الديني التي ترتبط بالعقيدة الإسلامية، أو ترتبط ببعض القوانين الأخرى التي تقتضيها الضرورة مثل أحكام الإعدام التي تعترض عليها المنظمة من حيث المبدأ رغم أنها مطبقة في دول كثيرة، ومنها أمريكا التي تطبق في كثير من ولاياتها حكم الإعدام عند الإدانة بجرائم معينة.. والمملكة ستظل متمسكة بدينها الذي يمثل مرجعيتها الأساسية في أنظمتها وقوانينها.
سابعاً: باختصار نحن في المملكة حريصون كل الحرص على أن يجد كل من يقيم ويعمل لدينا المعاملة الكريمة النابعة من قيمنا ومثلنا الإسلامية والعربية السليمة، وأن ينال كل ذي حق حقه، وقد أصدرت مؤخرا قرارات تؤكد على تحقيق هذه الغاية، و تمنع كل ما من شأنه الإساءة إلى العمالة الوافدة، وتضمن العدالة والإنصاف في المعاملة للعامل وصاحب العمل معاً.
ووزارة العمل سوف تتابع كل ما يرد إليها من مظالم، وسوف يتم تطبيق الإجراءات اللازمة في حق كل من يخالف النظام، بالإضافة إلى ما تقوم به إدارات التفتيش بالوزارة من مراقبة ومتابعة لما يحدث في مجال علاقات العمل.
د.غازي القصيبي
وزير العمل |