* جدة - عيد المسلط:
إعلامي وأستاذ جامعي متمرس، له خبرته الرائدة في التعاطي مع القنوات الاتصالية المختلفة، وصاحب رأي مهم ومختلف قائم على الواقع والمنطقية.. إنه الدكتور علي بن ظافر القرني، الأستاذ المساعد بقسم الإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وحاصل على الدكتوراه من جامعة ستارلانق باسكتلندا برسالته عن دراسة للمعوقات الثقافية للإنتاج التليفزيوني بالمملكة العربية السعودية في عصر العولمة.
* د. علي.. الصالونات الثقافية، هل هي مظهر ترف اجتماعي أو حركة ثقافية؟
- بالنسبة للصالونات الأدبية والثقافية في المملكة، أنا أعتقد أنها ظاهرة صحية ويجب ألا نضيق بها ذرعاً، وان تعطى التغطية الإعلامية التي تستحقها بعين الطروحات والنقاشات والآراء التي تطرح داخل هذه الصالونات ان شئتم تسميتها بالصالونات.. ومن الضروري ان تغطى تغطية إعلامية تحليلية كما يطرح فيها من أفكار عبر وسائل الإعلام سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية.. وأنا أعتقد أنها ظاهرة يجب أن تشجع، ولكن يجب أن توضع على المحك وتحاكم وتطرح بشكل عام لكي يشترك أكبر عدد من الجمهور في تقييم ما يطرح وما يقال عبر التفكير الجمعي.
* هناك أسماء بارزة وراء إقامة مثل هذه الصالونات لكنها في نفس الوقت من حيث المستوى التعليمي ليست بالمتقدمة من حيث الثقافة؟
- ليست بالضرورة أن يكون صاحب الصالون متعلماً تعليماً عالياً؛ لأن الثقافة ليست حكراً على من يحمل الشهادات العليا في تخصص معين.. الثقافة ميدانها واسع وكبير ولعل الامر يلتبس على بعض الناس أن يكون بالضرورة حامل الدرجة العلمية الكبرى مثقفا؛ لأنه قد يكون حاملا لشهادة عليا ولكنه صفر في ثقافته ومحدود الرؤية والفكر.. وبهذا أعتقد ان ميدان الثقافة واسع ولا يقتصر على حملة الشهادات العلمية سواء العليا أو خلافها.
* أين يقع الفكر العربي عالمياً؟
- يصعب الحكم المطلق في هذه المسألة في ان يقع الفكر العربي عالمياً، ولكن هناك محاولات تشكر لكثير من المفكرين العرب الذين استطاعوا النفاذ إلى الأوساط العالمية إما عبر المجلات العلمية المتخصصة أو الصحف العالمية أو محطات التلفزة والإذاعة المسموعة، ولهم مشاركات طيبة بعضها من المثقف العربي الذي يعيش في الغرب.. وأنا أعول على جهودهم كثيراً وأعتقد انهم يفهمون الطريقة التي يتوجهون بها للعقلية الغربية ويعرفون مداخل الاقناع في الذهن الغربي ويعرفون القوانين والقواعد والتنظيم وطريقة الاتصال المعروفة.. ولكن بشكل عام قد تكون اللغة عائقاً لبعض المثقفين العرب الذين هم في البلاد العربية؛ لأن امتلاك وسيلة الاتصال واجادة اللغة وطريقة استخدامها مسألة أساسية في ايصال الفكر والموقف والرأي للجمهور العالمي؛ فالترجمة ليست كل شيء وأحياناً الترجمات تجحف في هذا العمل سواء كان عملا أدبيا أو مقالا أو حتى تحليلا اخبارياً.
ولكن قبل اجادة اللغة يجب ان يكون المثقف ذا موقف وذا رأي، وتكون له طريقة في عرض أفكاره بالحجج والبراهين، وان يكون موضوعياً.
* ماذا استفاد المفكرون العرب من هذا الإرث العربي والإسلامي العظيم لاذكاء الحركة الثقافية خصوصا ان الغرب قد نهل واستفاد من هذا الموروث الشيء الكثير خصوصا المستشرقين؟
- حقيقة لم نحسن تقديم ما بين أيدينا من شريعة سمحاء ومن تشريع إلهي ورؤية للكون وللأشياء ولتفسير العلاقات بين الإنسان وخالقه والإنسان والبيئة.. حقيقة هناك تقصير في هذا الجانب.. نحن بين ظهرانينا دين شامل ويقدم حلولا عصرية ومتفقة مع العلم والعقل والمنطق، ولا أعرف سببا لهذه الانعزالية غير الذي سردت من عائق اللغة وانعزالية المثقف العربي بسبب بعض الأسباب الثقافية والحضارية، ولابد لنا ان نقتنع ان الذي بين أيدينا من هذا الإرث هو مفتاح الحل لكل ما يدور في العالم اليوم بعيدا عن العاطفة والتطرف.. ولا أعتقد ان المستشرقين أحسنوا صنعاً للثقافة الشرقية وكثيرا نعرف انهم انتجوا أفكارا خاطئة ومقولبة عن الثقافة وعن المنطقة وعن الشخصية العربية والشخصية الإسلامية وشخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وطريقة انتشار الإسلام منها ما قدم بشكل مشوه للقارئ الغربي وعملت أفلام من هذا التراث الاستشراقي الذي كان مخيما في الثقافات الاخرى خصوصا الإسلامية، مع اعتبار ان هذا الانتاج الاستشراقي ليس شيئا، ولكن كثيرا مما كتب كان غير موضوعي.
* أين دور الأندية الأدبية في الحركة الثقافية، وهل اقتصر دورها على مسمياتها فقط؟
- حقيقة الأندية الأدبية أسهمت بجهد طيب ولا بأس به من ناحية النشر وتحريك الفعل الثقافي المحلي، ولكن يتوقع منها الكثير.. ولكن نظرا للبيئة الثقافية التي تعمل فيها هذه النوادي قد يحد من نشاطها، وكذلك القيود الإدارية التي تكبلها يمكن أن تكون عوائق لمشاركة أوسع وأكثر نضجا واستجابة لتيار الفكر المحلي.
* من هو المثقف من وجهة نظرك؟
- المثقف هو ذلك الكائن الذي يحس بآلام أمته وتطلعات قومه ووطنه ويتفانى في تحقيق الأهداف العليا السامية لأمته من خلال الاختصاص أو الاهتمام الذي هو مهتم به سواء كان أديبا أو أكاديميا أو إعلاميا في أي ميدان من هذه الميادين.. لابد ان يتمثل هموم أمته وأن يسعى إلى تحسين الواقع المعاش ورفع تطلعات أبناء جلدته إلى المكانة السامية التي تليق به دائماً.
* ما هو دور الإعلام في نشر الثقافة؟
- من المؤكد أن للإعلام دورا مهما في نشر الثقافة، غير انه لابد ان تكون هناك ثقافة أولا لكي ينشرها الإعلام.. وإذا كان هناك شيء من المعوقات التي تعيق الفكر فبالتأكيد ان ذلك سينعكس على الإعلام ودور الإعلام، ولا يمكن ان يقوم الإعلام بدور ليس من وظائفه الأساسية، النشر هو وظيفته الأساسية لكن الإبداع يمكن أن يكون سابقا، فلابد من ان يكون هناك مناخ عام يشجع على الإبداع والفكر، وبالتالي يقوم الإعلام بالدور المكمل في نشر هذا الإبداع والإضافة عليه.
* ظهرت مؤخرا بعض البرامج الموجهة للنساء فقط في بعض القنوات العربية.. إلى ماذا تعزو ذلك؟
- هذا أمر طبيعي بالنسبة للمحطة الإذاعية أو التلفازية، فلابد أن تلبي احتياج شريحة من الجمهور.. ولكن ماذا يقدم في هذه البرامج؟ أنا أعتقد ان هناك محاولات جادة في كلام نواعم مثلا على mbc.
* هل أنت مع فكرة خصخصة وسائل الإعلام؟
- طبعا، الخصخصة بالكامل.. أما أن تكون مؤسسات هدفها الإثراء والربح أنا ضد هذه الفكرة وأيضاً ضد أن تبقى مؤسسات عامة، واقترحت طريقة ثالثة هذه الطريقة ان يتخفف الإعلام الرسمي من القيود والضغوط وان توفر له الأجواء والمناخات التي يمكن ان يعمل فيها بشيء من الهامش الذي يسمح له بالحركة والمناورة، وان تقوم جهة ما عبر مجلس إدارة بالإشراف على محطة التلفزة أو محطة الإذاعة وتمنح رخصة مؤقتة بوقت معين لاستخدام الموجة التي تعمل عليها المحطة، ثم بعد هذا يمكن ان تراجع بعد كل فترة وان تقدم طلبات استخدام هذا المجال في التردد وتعطى إلى آخرين يقدمون مثلا مشروعا يلبي احتياجات مجتمعية أو ثقافية في المجتمع.
* برز مؤخرا بعد أحداث 11 سبتمبر مدى أهمية الإعلام واتضح انه سلاح ذو حدين.. كيف يمكن لنا كعرب ومسلمين مواجهة الحملات الغربية ضد الإعلام والتصدي لها؟
- يمكن ذلك بالعمل على تغيير واقعنا بتطوير الواقع المعاش وتحسين الظروف المعيشية في كافة المجتمعات المسلمة والعربية والعمل أيضاً على حفظ كرامة الإنسان المسلم والعربي في بلده، وهذا شيء يعتبر أساسياً في تغيير نظرة الآخرين لنا ولديننا، وهذا لا يعفي كثيرا من الدبلوماسيين والممثلين الثقافيين من أن يقدموا وجهة النظر الصحيحة التي يعتقدونها إلى وسائل الإعلام في البلاد التي يعملون فيها.. كل إنسان له وعليه واجب يجب ان يقدمه أينما كان.
* هل ترى ان ايجاد قنوات إعلامية غير عربية بلغات متعددة يدعم الموقف العربي والإسلامي ويغير صورة الإعلام لدى الغرب؟
- مؤكد ان هناك حاجة إلى قنوات اتصال غير عربية لعرض وجهة النظر العربية ولعرض عدالة مواقف الأمة العربية حيال القضية الفلسطينية مثلا، وتقدم الإسلام بشكله الناصع إلى العالم الذين هم يحتاجون فعلا إلى الهداية.
* مع هذه الثورة الكبيرة من الناحية المعلوماتية وتعدد القنوات من صحافة وتلفاز وإذاعة وإنترنت... برأيك لمن الزمن القادم من هذه الوسائل؟
- كلما جاءت وسيلة جديدة تجدد هذا الجدل، واستشعر ان هناك خطرا من الوسيلة الجديدة مثل الإنترنت الآن على الوسائل التي سبقتها.. نفس الكلام هذا عندما بدأت الإذاعة ثم تكرر الجدل عندما انتشر التلفزيون.. ولكن الحقيقة ان لكل من هذه الوسائل جزءا مقسوما من الجمهور، وليس بالضرورة ان يكون الذي يستمع للإذاعة لا يستمع للتليفزيون أو لا يقرأ الصحيفة، ولكن هناك شيء من التكامل يمكن ان يكون بين هذه الوسائل وكل وسيلة تحاول ان تجد لها جمهورا يتقبلها ولكي يجتهد في هذا، وتعرف ان هناك نقصا مثلا في بعض الوسائل فتعمل على اكمال هذا النقص.. وليس هناك حتمية بأن هناك وسيلة تسود على الأخرى؛ فالميدان مفتوح لكافة الوسائل.
* كيف يمكن لنا ايجاد مجتمع مثقف إعلاميا بعيدا عن هذا الاسفاف؟
- بالارتقاء بنوعية الخطاب الذي يخاطب العقول بدلا من ان يخاطب الغرائز والعواطف، واحترام عقلية المتلقين أمر ضروري ولابد من ان تكون الرسالة في مستوى عدم اهانة ذكاء المتلقين سواء عربا أو غير عرب، والبعد عن التقليد والبعد عن استحضار نماذج غربية والعمل على منوالها.. يعني برامج بشيء من المحلية أو بلغة عربية.. وهكذا فالقضية ترجع إلى ان نرتقي بالخطاب الإعلامي وان تحترم عقلية المتلقين وان يُقدم لهم ما يحتاجونه فعلا لا ليس ما نظن انهم يحتاجونه.
* ما هو الدور المنوط بأقسام الإعلام في جامعات المملكة؟
- حقيقة.. دور أقسام الإعلام في جامعات المملكة دور مهم ويتركز على مدى اهتمام المتقدم للدراسة في هذا القسم للانخراط في الهمِّ والشأن الإعلامي.. حقيقة.. والطلبة الذين يدرسون في قسم الإعلام لابد ان يتوافر عندهم الحد الأدنى من الاهتمام بالتواصل مع الآخرين عن طريق الوسيلة الإعلامية في قسم الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز وفي غيرها من أقسام الإعلام بجامعات المملكة.. نعمل على تنمية الحس الإعلامي عند الدارس والارتقاء بمستوى الطرح والتفكير لكي يكون عقلانياً أكثر في النظر إلى الأمور وفي تناول الآراء والأفكار وعرضها عبر وسائل الإعلام.. وأنا شخصياً اشجع هذا التوجه وأدعو طلبتي إلى الاهتمام بمستوى الطرح وبالعناية الفائقة في إجادة صناعة الرسالة الإعلامية.
* رسالة أخيرة كختام.. لمن توجهها؟
- الكلمة الأخيرة التي أوجهها بوصفي إعلامياً أعيش همَّ التعليم العالي هي أنه تحدوني دائما فكرة التحسين والارتقاء سواء لمؤسساتنا الإعلامية أو النوعية الإعلامية الذين يعملون بهذه المؤسسات التي دائماً أطالب بالعناية الكبيرة بالرسالة الإعلامية وان نتلمس حقيقة ما يريده الجمهور.. ليس بالضرورة الاستهانة دائما بهذه النظرة التي تستهين بأذواق الناس وبما يرغبون مشاهدته.. حقيقة، ان هناك تزييفا في مقولة ان الجمهور (عاوز كده)! لا ليس بالضرورة ان الجمهور يريد هذا الاسفاف وهذا الغث من الإعلام، الجمهور يريد من يحترم عقليته ومن يلبي احتياجاته ومن يصدقه القول، وانه لابد من ان نكون صادقين في كل أمورنا لنصل إلى كل ما نطمح إليه من تَقَدُّمٍ ونجاح.
|