كأننا ننتقم من الأشياء، وكأننا مكلفون في مهمات الثأر للأولين الذين لم تتح لهم فرصة قيادة السيارة أو الدبابات أو الطائرات. فالقدامى الراحلون ربما يتميزون -رحمهم الله- شوقاً لو يعلمون أننا أصبحنا في أقصى درجات الرفاهية التي أحالت البعض منا إلى ما يشبه الجنون.
لقد تركنا الحبل والغارب معاً، فلم نستطع أن نمارس رياضة العقل، لكي نعتقل الفكرة المؤذية، إنما ظللنا نترك لها الحرية في تقديم كل مبتكر قد يصل إلى حد الاحتفاء الحاشد في مهرجانات الصيف والشتاء، كأن تسير السيارة على عجلتين، والدراجة (السيكل) على عجلة واحدة، بل وكيف نحيل السيارة إلى طائرة ترعد وتزبد على الأرض، وقد نصنع منها في زمن التهوّر دبابة تحصد الأرواح حينما تصبح تحت قدمي مراهق تُرك بلا رعاية أو متابعة.
كنا نتصور لو أن شاعر الأمة العظيم بمجد شعره وإبداعه.. (أبا الطيب المتنبي) عاد بأمر الله وإذنه إلى الدنيا من جديد، ومرّ على احفاد أحفاد أحفاده وهم يراوغون الموت والقتل والتهوّر في سياراتهم، ويرى بأم عينيه فريقاً آخر وهو يجهز على بعض السيارة، ليفرك حديدها وعجلاتها (كفراتها) بالأرض وكأنه يقول: لقد أخذنا بثأركم من هذا الحديد الجديد الذي لا نحسن إلا دفع آلاف الريالات مقابله.. ترى هل سيهجونا (المتنبي) بقصائد لا تقيم لنا -بعدها- وزناً بين الأمم، أم ترى صوته وحضوره سيتوه وسط صرير الاسفلت وأنينه لفرط عبث مؤذ لا يزيد الآخر إلا يقيناً بعبث البعض منا ومجانية حياته ووجوده.
|