لست هنا بصدد الرد على ابن بخيت في مقالته (سموها بلاد الحرمين) فلقد نشرت الجريدة مشكورة تعقيبات وردوداً كثيرة على ذلك، وأنا الآن بصدد تقييم هذه التعقيبات ، وجعلها موضع دراسة وتحليل، بأن أجعل من هذه الردود والتعقيبات عينة نستطيع من خلالها فهم طبيعة المجتمع وسماته الشخصية والثقافية والدينية، فهذه التعقيبات صدرت من العامة من عموم المجتمع وهذا يجعلها مقياساً موضوعياً واضحاً وشاملاً لتحليل فكر المجتمع، نستطيع من خلال هذا التحليل فهم أنفسنا ومدى التطور الفكري من عدمه، فلقد أتاحت الجزيرة جزاها الله خيرا فرصة كبيرة للنقاشات في هذا الموضوع، مما أعطانا نماذج واضحة لشخصية مجتمعنا، بإمكاننا أن نستقرئ هذه التعقيبات ونحللها لاستخلاص نتائج تتضح فيها سماتنا، إن هذه التعقيبات أظهرت عدة نتائج سأحاول أن أعدد هذه النتائج بما يلي:
1- من الناحية الدينية، فكرنا محافظ متدين لم يفقد قيمه الدينية وثوابته الإسلامية والدليل على ذلك أن الجميع عارض ابن بخيت في رأيه ولم يوافقه أحد فيما قاله.
من الناحية الثقافية اتضح ما يلي: أننا أصبحنا مجتمعا يقرأ بعمق ويمعن النظر في قراءة المقالات، وليس كما كان يعتقد البعض بأن الكثير منا يكتفي بتصفح الصحيفة فقط وقراءة الكاريكاتير ومتابعة صفحات الرياضة، إنما يتعدى ذلك إلى إمعان النظر في مقالات الكتاب والمثقفين وفهم ما وراء السطور، وهذا لا يقتصر على مجموعة صغيرة من القراء وإنما شرائح كبيرة والدليل على ذلك كثيرة الردود في الصحيفة هذا عدا النقاشات التي تمت شفهيا بين الأفراد.
وتطور الأمر أيضا إلى إتقان الكتابة فكثير من الكتابات كشفت عن إتقان الكتابة لكثيرين منا وفصاحة عباراتهم وسلامتها اللغوية إنها قاست لنا مستوى العامة وليس مستوى الكتاب وهذا ما نريده.
من الناحية العقلية: إن هذه الردود تكشف عن عقلية منظمة، وعلى قدرة كتابها على التحليل واستعراض كل فقرة والرد عليها بأسلوب منطقي عقلي، مدعمين ذلك بأدلة وشواهد، مع قدرة على الإقناع بحجج منطقية لم تتوفر للكاتب، فنقدهم بني على أسس موضوعية مبنية على السماع والمعرفة الحقة توافرت فيه أصول النقد ومبادئه أما نقد الكاتب فهو أشبه بمصارعة وهجوم بلا أي أسس موضوعية.
من الناحية النفسية: برزت نبرات الثقة بالنفس في هذه الردود، كما أنها تكشف عن شخصيات هادئة غير متعصبة ولكنها شخصيات فاعلة ومؤثرة وكثرة هذه الردود لتدل على التطور الحاصل للأفراد فما عاد الفرد منا يكتفي بهز رأسه عند قراءة المقالات بل أصبحنا نشارك ونحلل ونناقش ونعترض ونبدي الآراء بأسلوب فصيح مبين، وهذا تطور إيجابي لشخصياتنا وشمل هذا الجميع وليس القطاع المعروف من كتاب العزيزة فقط بل شمل أناسا غير معروفين تماما، والسلبية الوحيدة التي لاحظتها هي قلة المشاركات النسائية، وهذا شيء لاحظته في صفحة عزيزتي الجزيرة في أغلب المواضيع عامة وليس في هذا الموضوع فحسب، فللأسف الشديد لم ألحظ تطورا فاعلا في شخصية المرأة على كثرة المتعلمات، ولا يعني ذلك ضعف المرأة ولكن لعل لذلك أسبابا كثيرة، على أية حال أتمنى من المرأة أن تشارك وتتفاعل مع قضايا مجتمعها، وهذا لاعيب فيه وفق الضوابط الشرعية.
بشكل عام كثرة هذه المشاركات أتاحت لنا فرصة الكشف عن مستوى العامة، حيث رأينا أسماء كثيرة غير معروفة من أناس عاديين، ويدل هذا على الوعي الثقافي والمعرفي في المجتمع، على جميع الكتاب أن يعرفوا إذن أن ما يكتبونه سوف يقرأ بعمق، وأنهم ليسوا أمام مجتمع جاهل لا يقرأ ما يقولون، وتنطلي عليه الأقاويل أو أنه مجتمع ضعيف عاجز عن التعبير عن نفسه يقرأ الفرد ما يعجبه فيتبسم فحسب وعندما يقرأ ما لا يعجبه يكتفي بمط شفتيه، لا بل هو مجتمع فاعل يشارك ويعترض ويحلل ويعرف الحق من الباطل يتقن مهارات القراءة يمتلك ناصية الكتابة ولا ينطبق طبعا هذا على الكل ولكن نسبة أصبحت كبيرة، لهذا على الكتاب مراعاة هذا وتحري الصدق فيما يقولون وإلا سيتفاجؤون بكم هائل من المناقشات والاعتراضات، نعم لقد شهدنا نموا فكريا في شخصية المجتمع كما أن ذلك أظهر أن صحيفتنا الجزيرة ليست صحيفة تطلع المجتمع على الأخبار فحسب بل هي تعتني بآراء القراء ومناقشاتهم، وتساهم في تطور شخصية المجتمع وتنمي مقدراته العقلية والفكرية فشكرا لها.
سارة العبدالله
|