مدخل
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}.
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع |
لعله من المناسب ونحن في موسم الإجازة الصيفية أن نتحدث ونكتب عن أهمية الوقت واستثماره الاستثمار الأمثل والاستفادة منه على خير وجه، فقضاء الوقت بما يفيد ويعود على الإنسان بالفائدة مطلب من المطالب التي ننشدها دوما لا سيما في هذا الوقت (الإجازة الصيفية) المليء بمساحات من الفراغ الذي إن لم نعمل فيه بما يفيد ويرضي الله لعمل بنا في الاتجاه المعاكس، وصدق الشاعر حين قال:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة |
ولا يختلف اثنان على أن الوقت هو عمر الإنسان، وهو الحياة التي يحيها بأيامها وشهورها وسنواتها، وقديما قيل (من عرف حق الوقت فقد أدرك قيمة الحياة).
وليست القضية هي ملء وقت الفراغ فقط وإلا لكان الأمر سهلا، ولكن القضية هي ملء ذلك الوقت بما يفيد الإنسان وبما يعود عليه بالنفع العظيم وبالتأكيد داخل دائرة ما يرضي الله.
إن شعور الإنسان بأهمية الوقت بداية واعدة لمستقبل مشرق بإذن الله، وهذه الخطوة لا بد وأن تتبعها خطوات من التخطيط والاستثمار والإنجاز قدر المستطاع، يقول الشيخ محمد الدويش:
(إن الوقت مهارة وقدرة يحتاج الشاب أن يربي نفسه عليها وليس مجرد اقتناع الإنسان بأهمية الوقت) وإذا استشعرنا ذلك قدمنا أولوياتنا ورتبنا أمورنا وحاجياتنا وانتظمت حياتنا وابتعدنا عن الفوضوية التي يعاني منها الكثير من الناس، خاصة إذا أدركنا أن الوقت هو المادة التي لا يمكن أن تعوض مهما بذلنا في سبيل استعادتها من ثمن، أضف إلى ذلك وهو الأهم أن هذا الوقت سيحاسب عليه الإنسان، إن استثمره في الخير كان حصاده خيرا وإن كان غير ذلك فلن يحصد خلافه بلا شك لأن الجزاء من جنس العمل، قاعدة تعلمناها منذ الصغر، فالوقت ليس ملك لصاحبه بل نعمة وهبة من الله سيسأل عنها الإنسان يوما من الأيام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به) ولا بد هنا من الإشارة إلى أهمية توطين النفس على الجد والصبر والحزم عليها ولنتبنى العبارة التالية في حياتنا (ضبط النفس طريقة لاستغلال الوقت) ونجعلها ديدنا لنا، وفي ذلك جهاد يؤجر عليه الإنسان، يقول الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وأن تفطمه ينفطم |
ومحاسبة النفس أو الطريق الى إصلاحها وتقويمها.
إذن لابد وأن نربي أنفسنا على تنظيم الوقت تحت شعار (الأهم فالمهم) ، وأن نؤمن إيمانا جازما بأن استثمار الوقت واجب من واجباتنا وأن نسعى إلى تحقيق ذلك الواجب على أرض الواقع، ولنجعل هذه الإجازة أول الميدان في التطبيق، لنجعلها تزيد من رصيدنا المعرفي (الديني، الثقافي، الاجتماعي، السياحي) ما أمكن، لنجعل أوقاتنا معمورة بمهارات جديدة ومعلومات مفيدة، لنوازن فيها بين الأمور الدينية والدنيوية ولعل الجمع بينهما يكسبها نكهة خاصة وفي الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
(اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)
ويقول الأستاذ سعيد الحواش:
(ولكي يحافظ الإنسان على وقته يجب أن يعرف أين يصرفه وكيف يصرفه وأعظم المصارف وأجلها طاعة لله عز وجل وطلب العلم والاهتمام به غاية الأهمية فكل زمن أنفقته في تلك الطاعة والفضيلة لن تندم عليه أبدا بل سيكون مصدر عز وسعادة ورفعة وعلو، قال تعالى: {َرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وإن كان هناك ندم فهو على ضياع الأوقات وإهدار الطاقات فيما لا يعود على الإنسان بالنفع والفائدة.
لنجعل الإجازة ميدانا لصقل مواهبنا وإظهار إبداعاتنا المكنونة، لنجعل شعارنا فيها (عمارة الأوقات بما يرضي الواحد الديان طريقنا بإذن الله للجنان) لنجعلها أوقاتا نذكرها بشوق وحب وحنين ليس لأنها إجازة فقط بل لأننا تعلمنا فيها الكثير والكثير، لنجلعها محطة مفيدة ومستثمرة أحسن الاستثمار بعد عناء الاختبار وأيام التحصيل المنتظم.
إن النظرة إلى هذه الإجازة بهذا المنظار يحببنا لها ليس طلبا للراحة بل طلبا لتطوير الذات في مجالات اختيارية نبدع فيها، إن غرس هذا المبدأ في نفوسنا يجعل منها أوقاتا نتوق اليها وإلى أيامها لأننا تعلمنا فيها أن الراحة لا تكون بالكسل والخمول وتجميد العقول وإنما باستثمارها نحو الأفضل.
إذن لنتأمل الطريقة التي نقضي فيها أوقاتنا ولنضع أيدينا على النوافذ التي ينفد منها الوقت بلا فائدة لتكون وصفة العلاج الناجح.
فواصل
** يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك).
** يقول الحسن البصري: (أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم).
** يقول ابن القيم - رحمه الله :(إن العبد حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر منها إلى ربه، ومدة سفره هي عمره، والأيام والليالي مراحل، فلا يزال يطويها حتى ينتهي السفر، ثم قال: والناس ينقسمون إلى قسمين: منهم من يطوي سفره بما يقربه إلى دار الشقاوة، ومنهم من يقربه إلى دار السلام).
وآخر المطاف
نسير إلى الآجال في كل ساعة
وأيامنا تطوى وهن رواحلُ
ترحل من الدنيا بزادٍ من التقى
فعمرك أيام تعد قلائلُ |
|