* هل سيؤدي دخول شركة جديدة في قطاع الهاتف الجوال إلى الحد من أو القضاء على احتكار السوق من قِبَل شركة واحدة (شركة الاتصالات السعودية)؟
* في صالح أيٍّ من الأطراف التالية سيكون دخول الشركة الجديدة للسوق السعودي: السوق (قطاع الهاتف الجوال)، أم الشركة الحالية (الاتصالات السعودية)، أم الجديدة (المشغِّل الجديد)، أم المستهلك النهائي، أم جميع ما سبق؟
* ماهي الآثار والتغيرات المتوقع حدوثها نتيجة دخول لاعب جديد للسوق؟
* هل العميل الحالي توَّاق إلى هذا الحدث، بمعنى هل لديه الرغبة للتحول إلى الشركة الجديدة، أم لديه ولاء تام لشركة الاتصالات السعودية، وبالتالي لا يرغب في التحول؟
* هل سوف نشاهد حرب أسعار جديدة في قطاع الهاتف الجوال على غرار حروب الأسعار في المنتجات الاستهلاكية؟
* هل ستلجأ شركة الاتصالات السعودية (وحدة الهاتف الجوال) إلى تغيير في استراتيجياتها التسويقية للمحافظة على مركزها التنافسي في السوق؟
أسئلة كثيرة تبرز في الساحة الآن، والإجابة عنها تحتاج إلى مزيد من الوقت والإيضاح من قِبَل العديد من الجهات ذات العلاقة. وأنا هنا سأتطرق لهذا الموضوع من وجهة نظر تسويقية بناءً على المعطيات المتوفرة لنا كمراقبين خارج السوق.
وقبل أن أبدأ من الأحرى أن أشير إلى آخر المستجدات التي حدثت بخصوص هذا الموضوع خلال الفترة الماضية، فقد أُعلن ونُشر في وسائل الإعلام المختلفة أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية قامت بفتح مظاريف العروض المالية التي تقدم بها اتحاد الشركات الست التي تضمنتها قائمة مصغَّرة أُعلنت يوم السبت 22 جمادى الأولى 1425هـ، بعد تقييم مقترحاتها التجارية والتشغيلية والتقنية لإنشاء وتشغيل الترخيص الثاني لشبكة الهاتف الجوال بتقنية الجيل الثالث التي تعمل بنظام (جي. إس. إم). وكشفت الهيئة عن تأهل التحالف الذي قادته شركة (اتصالات) الإماراتية (إحدى شركات الاتصالات الرائدة في المنطقة) إلى المرحلة النهائية؛ حيث اجتازت العديد من المراحل التي شملت تقييم الإمكانيات التجارية والفنية خلال المرحلة الثانية من العطاء. ووفقاً لإجراءات العطاء، فإنه من المتوقع أن تفوز (اتصالات) الإماراتية؛ نظراً لأنها قدمت أفضل عرض مالي بـ(12.21) مليار ريال لتشغيل الترخيص الثاني في السعودية بعد أن استوفت كافة الشروط المطلوبة، وسيتأكد ذلك بعد أن يصادق مجلس الوزراء على قرار الهيئة. وحسب المعلومات الواردة من الهيئة من المتوقع إعلان النتائج النهائية بشكل رسمي في شهر أكتوبر القادم بعد أَخْذ موافقة مجلس الوزراء عليها.
وبغض النظر عن الشركة الفائزة في الترخيص الثاني، وإن كان الترجيح يتجه إلى اتحاد (اتصالات) الإماراتية، فإن السؤال المهم هو: هل سيشكِّل دخول مشغِّل آخر لتقديم خدمة الهاتف الجوال في المملكة منافسةً وتحدياً لشركة الاتصالات السعودية؟
ويمكن الإجابة عن السؤال السابق من خلال طرح رأيين مختلفين: الرأي الأول يرى أن المنافسة قادمة بقوة، وسوف تحدث ولا مفر منها، خصوصاً أن الشركة الجديدة سوف تعمل كل ما في وسعها في سبيل تعزيز تواجدها في السوق وكسب أكبر حصة سوقية بأسرع وقت ممكن، مستغلة إمكاناتها المالية وخبراتها الواسعة في قطاع الاتصالات. أما الرأي الآخر فيرى أن مجال حدوث منافسة حقيقية قد يكون محدوداً جداً، على أساس أن الشركة الجديدة سوف تضطر إلى استخدام البنية التحتية لشركة الاتصالات السعودية بنظام التأجير، وهذا سوف يحملها بالتالي نفقات إضافية قد تسبب لها مشكلة عند تسعيرها لمنتجاتها وخدماتها والتي تعتزم تقديمها عند دخولها للسوق.
من وجهة نظر تسويقية، أنا أؤيد الرأي الأول، وأرى أنه من البدهيِّ جداً في أي سوق محتكَر احتكاراً كاملاً 100% من قِبَل منشأة واحدة أن يحدث تغييرٌ وأن يتأثر السوق مباشرة نتيجة دخول لاعب جديد، حتى وإن لم يحصل على حصة سوقية مناسبة من السوق؛ حيث إن خاصية الاحتكار سوف تُلغَى، ويتحول السوق إلى سوق منافسة قِلَّة؛ أي أن الداخل الجديد سوف يدخل في منافسة مع المحتكِر الأصلي (شركة الاتصالات السعودية)، ولكنه يحتاج إلى وقت ومجهود خرافي وإنفاق عالٍ جداً على التسويق والإعلان لمجاراة القائد في السوق. وإضافة لذلك هناك بعض النقاط الواجب الإشارة إليها والتي تدعم هذا الرأي:
* سيشهد هذا القطاع منافسة شرسة بسبب أن الشركتين ستتنافسان لتقديم خدمات جديدة خاصة في الجيل الثالث لأنظمة الاتصالات مثل رسائل MMS ، وتصفُّح الإنترنت عبر الجوال، وتقديم الشريحة الازدواجية، وخدمات رجال الأعمال التجارية، والهاتف الجوال المالي، وخدمة تحديد المواقع، وغيرها من الخدمات الجديدة ذات القيمة المضافة للعملاء في مجال خدمات الهاتف الجوال ونقل البيانات.
* يتوقع أن تأتي الشركة الجديدة برؤية وتوجُّه جديد قد يختلف عما تقوم به شركة الاتصالات السعودية.
* يعتبر في هذا نوع من التغيير للمستهلك الذي يبحث دائماً عن الأفضل.
* ستساهم هذه المنافسة في تحرير قطاع الهاتف الجوال، وبالتالي الحد من عملية الاحتكار.
* سوف يحدث ثورة بالاهتمام بالعميل، وكلا الشركتان ستتنافسان لكسب رضائه.
***
الآثار المترتِّبة على
دخول شركة جديدة
هناك أربعة أطراف يُتوقَّع تأثُّرها سلباً أو إيجاباً نتيجة تحرير السوق ودخول مشغِّل جديد لخدمة الهاتف الجوال، وهي: السوق (قطاع الهاتف الجوال)، شركة الاتصالات السعودية (وحدة الجوال)، الشركة الجديدة، والعميل (المستهلِك النهائي). وفيما يلي نستعرض كل واحد منها على حدة:
1- السوق (قطاع الهاتف الجوال):
* يُقدَّر حجم سوق الهاتف الجوال الفعلي في المملكة بثمانية ملايين مستخدم حسب المعلومات المعلنة في الصحف من قِبَل وحدة الهاتف الجوال. ويتوقع أن يزداد الرقم بشكل أكبر مع دخول الشركة الجديدة وطرح خدمات جديدة من قِبَل الشركتين.
* يتوقَّع المراقبون أن ينهي الترخيص الجديد احتكار شركة الاتصالات السعودية لخدمة الهاتف الجوال التي يتوقع المحلِّلون نموَّها بصورة كبيرة في المملكة؛ حيث سيتحول السوق إلى سوق منافسة بعد تحريره.
* سيكون لهيئة الاتصالات دور كبير في عملية المراقبة والإشراف على تنظيم آليات السوق؛ حيث تستخدم الهيئة أسلوباً يتسم بالشفافية والوضوح عند تعاملها مع مشغِّلي الخدمات بدون محاباة شركة عن الأخرى.
* سيتم منح ترخيص ثالث لتشغيل الهاتف الجوال من قِبَل الهيئة في العام 2006م.
* سيكون شعار السوق البقاء للأفضل.
* تحرير السوق سيفتح مجالاتٍ وفرص عمل جديدة للسعوديين الباحثين عن عمل.
* تحرير السوق سيتيح فرصاً ومجالات عمل جديدة للشركات الأخرى التي تتعامل حالياً مع شركة الاتصالات بتوسيع نطاق أعمالها مع الشركة الجديدة.
2- شركة الاتصالات السعودية (وحدة الجوال):
من البدهيِّ أن تتأثر شركة الاتصالات السعودية بدخول لاعب جديد إلى السوق، والذي سوف يشاركها في اقتطاع نصيب من السوق الذي تستحوذ عليه حالياً بنسبة 100%؛ فقد يتحول بعض عملاء الشركة إلى الشركة الجديدة؛ مما يؤثر على مبيعات وأرباح الشركة على المدى البعيد. ولكن في نفس الوقت هناك نواحٍ إيجابية عديدة ستجنيها شركة الاتصالات، ومنها على سبيل المثال أنها ستحصل من الشركة الجديدة على مقابل مالي من خلال استخدام بنيتها التحتية، والأهم من ذلك أن هذا التحول سيكون فرصة لشركة الاتصالات السعودية للتعرف على نقاط ضعفها، وبالتالي السعي لتفاديها وتطوير وتحسين جميع خدماتها التي تقدِّمها لعملائها الحاليين والمرتقَبين.
ومن المتوقع أن تقوم الشركة الأساسية (القائد) بالخطوات التالية لمواجهة المنافسة الجديدة:
* ستستمر الشركة بمراجعة استراتيجياتها وسياساتها التسويقية من أجل إجراء أي تطوير أو تعديل تتطلبه المرحلة الجديدة.
* زيادة وتكثيف إنفاقها على الأنشطة التسويقية والترويجية، خصوصاً عند طَرْحها لخدمات جديدة؛ بهدف الحفاظ على مركزها كقائد للسوق، وكذلك الحفاظ على حصَّتها السوقية.
* طَرْح خدمات جديدة لم يتم طَرْحها مسبقاً بأسعار منافسة، وهذا ما نلاحظه في هذه الأيام (مثلاً: خدمة موجود وموجود إكسترا، الإنترنت عن طريق الجوال، وغيرها).
* الاستمرار في إجراء تخفيضات في أسعار المكالمات والخدمات.
* الاهتمام بشكل أكبر بالعميل ومحاولة كسبه بكل الوسائل الممكنة، والسعي نحو عدم فقدان أيٍّ من العملاء الحاليين؛ لأن فقدان عميل يعني خسارة كبرى للشركة؛ حيث من الصعب تعويضه.
ولكي نكون منصفين فمن الواجب الإشادة بالتطوُّر والتغيير الذي حصل لشركة الاتصالات السعودية (وحدة الجوال)، وبكل ما قدَّمته خلال الفترة الماضية من خدمات جديدة. وعلى الرغم من تذمُّر العديد من العملاء من بعض الخدمات المقدَّمة إلا أن الشركة استطاعت تجاوز العديد من العقبات التي واجهتها منذ بدايتها إلى الآن، ونتمنى أن تأخذ شركة الاتصالات زمام المبادرة بإجراء المزيد من المراجعات لخدماتها الحالية المقدمة وأسعارها، ومحاولة السعي باستمرار إلى أخذ الأولوية في طَرْح الخدمات والمزايا، لا أن تنتظر دخول الشركة الجديدة وتكون مُجبَرة على التغيير بسبب المنافسة.
3- الشركة الجديدة (المشغِّل الجديد للخدمة):
* استغلال إمكاناتها ومقدراتها وخبراتها في هذا المجال سيمكِّنها من الدخول للسوق بسهولة.
* الاستفادة من فريق التحالف السعودي الشريك مع الشركة الجديدة من خلال معرفتهم بأنظمة وقوانين العمل التجاري في البلد.
* عدم النظر للربح خلال السنوات الأولى؛ سعياً منها لكسب أكبر شريحة ممكنة من العملاء، وبالتالي استقطاع حصة سوقية من القائد في السوق.
* سعياً منها للحصول على حصة سوقية عالية ستقوم الشركة الجديدة بطَرْح خدمات جديدة لا تقدَّم من قِبَل الشركة الأساسية (مثلاً: مكالمة مجانية بعد الساعة 8 مساءً، وغيرها).
* الاتصال بالعملاء الحاليين لشركة الاتصالات ومحاولة جذبهم عن طريق طرح الخدمات الممكن تقديمها لهم كما هو معمول به في العديد من الدول الأجنبية.
من معوقات الدخول للسوق التي سوف تواجهها الشركة الجديدة (وهذه معلومة غير مؤكَّدة) أنه محدَّد لها ألاَّ يتجاوز عدد المشتركين في خدماتها والمستفيدين من منتجاتها مليون مشترك خلال السنة الأولى، والهدف من ذلك ألاَّ يكون هدف الشركة الأساسي زيادة أعداد المستفيدين، بل التركيز في البداية على تقديم منتجات وخدمات عالية الجودة. ونتمنى ألاَّ يكون هذا الخبر مؤكداً؛ لأن في ذلك تقييداً لحرية الشركة الجديدة، ومخالفة صريحة لنظام مكافحة الاحتكار وتشجيع المنافسة الذي بدأ تفعيله حديثاً من قِبَل وزارة التجارة.
4- العميل (المستهلِك النهائي):
يبقى المستفيد الأكثر من تحرير السوق هو المستهلك النهائي (أفراداً ومجموعات)، والذي ستتاح أمامه العديد من الخيارات، وله حرية المفاضلة واختيار الأفضل. ومن المزايا التي قد يحصل عليها:
* الاستفادة من طَرْح خدمات إضافية جديدة من قِبَل الشركتين.
* تخفيضات في الأسعار وفي الاشتراك في الخدمة.
* تمكُّن العميل من الحصول على خدمة عملاء بشكل أفضل من قِبَل المشغِّلين للخدمة.
* قد يؤدي ارتفاع استخدام خدمات الهاتف الجوال إلى تخفيض أسعار أجهزة الجوالات من قِبَل الشركات الصانعة.
ويُتوقَّع على المدى البعيد أن يصل تخفيض أسعار خدمات الجوال إلى مستوًى لا يمكن تجاوزه وذي تأثير على مبيعات وأرباح الشركتين معاً. عليه قد تلجأ الشركتان إلى البحث عن أساليب تسويقية أخرى للتغلب على تلك المعضلة، ونقصد بذلك التركيز على أساليب ترويج وتنشيط المبيعات.
***
مما سبق يتضح لنا أن قطاع سوق الهاتف الجوال في المملكة مُقْدِم على منافسة شديدة بين شركة الاتصالات السعودية ممثَّلة (بوحدة الجوال) والتحالف الذي سيقوم بتشغيل الشبكة الجديدة للجوال، وهو ما سينعكس إيجاباً على تحسين الخدمة المقدَّمة من الشركتين لصالح العميل (المستهلِك النهائي). ويمثل دور هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات كمنظِّم ومراقب ومشرف على السوق دعماً كبيراً جداً لإنجاح تحرير السوق وخَلْق منافسة عادلة بين الشركات المقدِّمة لخدمة الجوال؛ نظراً لأسلوب الشفافية والوضوح الذي تتَّسم به الهيئة عند تعاملها مع مشغِّلي الخدمات بدون محاباة شركة عن الأخرى كما حدث في مرحلة تقييم العطاءات الثمانية المقدَّمة للحصول على الترخيص الثاني لتشغيل الجوال.
وفي الختام، يجب أن ننظر إلى هذا التحوُّل بتحرير هذا القطاع بدخول مشغِّل جديد للساحة بأنه إيجابي لجميع الأطراف، ويجب أن يقتنع الجميع بأن هذا شيء صحي ومهم للغاية وحقيقة يجب عدم تجاهلها، فمعظم الدول العربية والخليجية بالتحديد أسواقها محرَّرة، ويوجد بها أكثر من مشغِّل لخدمات الهاتف الجوال. كذلك لا ننسى أن هذا سوف يتيح فتح مجالات وفرص عمل جديدة للسعوديين الباحثين عن عمل.
ومع تفاؤلنا بحدوث نقلة في هذا القطاع ونتائج إيجابية نتيجة هذا التحول فإننا نتطلَّع إلى أن يتم تحرير جميع القطاعات التي لم يتم تحريرها في المملكة إلى تاريخه؛ سعياً نحو إيجاد حرية وانفتاح أكبر لجميع أسواقنا، والقضاء على الاحتكار، وتشجيع المنافسة، وأن نكون مُهيَّئين لمرحلة ما بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية المتوقَّع حدوثه في القريب العاجل.
* مستشار تسويق
|