نبهت دراسة عقارية إلى أن ظاهرة انخفاض سعر العقار السكني جديرة بالاهتمام على الاخص انها لا تكاد توجد في مدن العالم المتقدم وانه بالنظر إلى حالة العديد من المدن الأمريكية فإن مدينة الرياض تأخذ خطاً معاكساً في هذا الاتجاه، فبينما تكون الزيادة في سعر العقار السكني في المدن الأمريكية تتراوح من حوالي + 200% إلى + 17% في العقد الزمني الواحد تكون في مدينة الرياض في حدود -20% إلى -50% وقالت الدراسة التي أعدها الدكتور خالد السكيت ان رأي ما يقرب من 59% من مجتمع البحث ان سعر العقار السكني وهو جديد مبالغ فيه المقام الأول وقالت الدراسة: ان رفع سعر العقار عن سعره الحقيقي يمثل استراتيجية تسويق عالمية ضرورية خاصة اذا كان الزيادة أعلى قليلاً من العقارات المماثلة لان ذلك يمثل حماية من حالة السوق غير المثالية والمتقلبة. ولكن في حالة مدينة الرياض يبدو ان رفع سعر العقار الجديد مبالغ فيه لأن مطوري العقارات السكنية يضعون اسعاراً لهذه المباني أعلى بكثير من القيمة الحقيقية لها. وهذا قد يفسر كيف انه بمجرد استخدام هذا العقار فإنه يعود تدريجياً إلى سعره الحقيقي وعلى الرغم من أوجه الصحة في الطرح القائل بأن سعر العقار السكني الجديد مبالغ إلا ان ذلك لا يبرر الاستمرار في هبوط سعر العقار على مدى السنوات التي تلي بناءه، وهذا معاكس لما يحدث في كثير من الدول المتقدمة والتي يرتفع سعر العقار سنوياً بها بعد التطوير ولو ان العقار لدينا ينخفض سعره لمدة سنة ليعود إلى سعره الحقيقي ثم يبدأ في الصعود مرة اخرى لكان من الممكن قبول فكرة المبالغة في سعر العقار كسبب في الانخفاض ولكن في الوضع الراهن يستمر الجزء المبني من العقار في انخفاض حتى يصبح سعر العقار يساوي سعر الأرض فقط ثم يبدأ سعر العقار كأرض في الصعود مرة أخرى.
وقالت الدراسة: إن المدلولات الاقتصادية لتدهور سعر العقار السكني المبني عديدة، أهمها لجوء المستثمرين في شراء الأراضي وبيعها دون الرغبة في التطوير العقاري للأرض. وأشارت إلى انه من المعروف ان المتاجرة بالاراضي لا تفيد الاقتصاد المحلي لان رأس المال ينتقل من الطرف البائع إلى الطرف المشتري دون توفير أي فرص عمل للقوى العاملة المحلية. وعلى النقيض من ذلك فإن التطوير العقاري يوفر فرص عمل كثيرة جداً، وبالتالي فإن المردود على الاقتصاد المحلي من التطوير العقاري هو افضل بكثير منه في حالة المتاجرة بالارض فقط، وأكدت الدراسة إلى ان محاولة معرفة أسباب مشكلة انخفاض سعر العقار السكني بعد استعماله ستساهم كثيراً في وضع الحلول المناسبة التي ستقلل من هذه المشكلة مما قد يؤدي إلى تشجيع الاستثمار في التطوير العقاري بدلاً من المتاجرة في الأراضي.
وذكر الباحث أن 80% من مجتمع البحث ذكروا ان وجود ارصفة عريضة ومظللة بالاشجار سيساهم كثيراً في الحفاظ على سعر العقار بعد استخدامه وقد اتفق معظم مجتمع البحث على أن الحي الآمن سيلعب دوراً مهماً في الحفاظ على سعر العقار السكني.
وذكرت الدراسة ان التطوير الانفرادي لأحيائنا السكنية قد ساهم بشكل كبير في تدهور القيمة العقارية للوحدات السكنية التي تقع ضمنها، فالقيمة العقارية لأي مسكن ترتبط بمستوى الحي الذي يقع فيه كما هو معروف فإن هنالك عدة عناصر مهمة جداً تلعب دوراً كبيراً في سعر العقار في مدينة الرياض سواء كان أرضاً أم مسكناً وهذه العناصر تشمل نوعية الحي وسكانه وتوفر المرافق والخدمات فيه، وسهولة الوصول إلى الحي والخروج منه بالنسبة للأجزاء المهمة من المدينة وعدد واجهات العقار وواجهاتها المفضلة (شرقي، جنوبي، شمالي، غربي) ومستوى الأرض بالنسبة للحي ككل من حيث الارتفاع والانخفاض، وما اذا كان العقار مبنياً فمما لا شك فيه أن مستوى التنفيذ ومداد التشطيب والمساحة المبنية وطريقة التصميم تلعب جميعها دوراً كبيراً في تسعير العقار.
كما أفاد 77% من مجتمع البحث أن التطوير الانفرادي يساهم بشكل كبير في تدهور قيمته العقارية للحي ككل ومن الأسباب العامة الرئيسية لحدوث التطوير الانفرادي وما ينتج عنه هو غياب فكرة مجلس الحي واتحادات الملاك، وهناك أسباب رئيسية أخرى تجعل التطوير الانفرادي سبباً في تدهور قيمة العقار السكني وهي: إن التطوير الانفرادي يستغرق فترة طويلة - جداً قد تصل إلى أكثر من 25 سنة وهذا بسبب أن كل شخص يبني مسكنه حسب ظروفه المادية وحاجاته العائلية، وبسبب كثرة العمالة والآليات التي تدخل الحي لفترة طويلة ومتقطعة يضعف عنصر الهدوء والخصوصية في الحي، إضافة إلى أن شركة مرافق (كهرباء- ماء - هاتف) تتعامل مع صاحب المسكن انفرادياً فإن هذه الشركات تضطر إلى زيارة نفس الحي مئات بل آلاف المرات من أجل إيصال هذه المنافع الضرورية مما ينتج عنه في الغالب إعادة حفر ورصف الطريق نفسه مما يجعل الطريق يظهر وكأنه قد نفذ من فترة طويلة جداً.
وخلصت الدراسة إلى أن الأحياء السكنية في مدينة الرياض بحاجة ماسة إلى تطوير آلية سريعة وآنية للحد من ظاهرة تهالك سعر العقار السكني بعد استخدامه كما أن الحاجة أيضاً ماسة إلى وضع آلية استراتيجية للتعامل مع المشكلة على المدى الطويل من خلال إعداد مخططات إنسانية لكل حي سكني قائم وتنفيذ هذه المخططات بأسرع فرصة وتشمل هذه المخططات العديد من العناصر مثل تحديد ممرات المشاة التي يجب رصفها، توزيع الأشجار الظليلة في الشوارع، تحديد الألوان التي يمكن إعادة الطلاء بها، اعداد ضوابط عمرانية تحكم نوعية التطوير لكل وحدة سكنية وتحد من ظاهرة التطوير الانفرادي، تطوير آلية لإنشاء مجلس الحي السكني واتحادات الملاك وتوفير الصلاحية القانونية لممارسة دورها في الحفاظ على الحي السكني وتطويره، تسهيل الإجراءات البلدية الخاصة بالتطوير المتكامل للحي السكني وتشجيع المطورين للدخول في هذا المجال بقوة، توفير آليات التمويل المناسبة لتسهيل التطوير المتكامل للحي وتسهيل شراء المواطنين للوحدات المطورة بقروض طويلة الأجل، إعطاء المطورين الصلاحية النظامية وإلزامهم بإدارة أي حي يتم تطويره لمدة زمنية كافية (في حدود الخمس سنوات) لضبط التطوير المناسب في الحي.
|