Saturday 24th July,200411622العددالسبت 7 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

مؤكداً أنه لا اعتصام للأمة إلا بالاحتماء بسياج المرجعية.. الشيخ السديس في خطبة الجمعة: مؤكداً أنه لا اعتصام للأمة إلا بالاحتماء بسياج المرجعية.. الشيخ السديس في خطبة الجمعة:
فرصة العفو والمراجعة مكرمة من ولاة الأمر وكانت كافية للصفح والغفران

* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
دعا إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين إلى تقوى الله عز وجل فهي سبيل أهل الرشاد وخير زاد يبلغ لرضا العباد فتزودوا منها ليوم المعاد، واغتنموا أيام العسر قبل النفاد، وشمروا في تحقيقها عن ساعد الحد والاجتهاد، واحذروا مسالك أهل الغي والفساد، وطرق أهل الباطل والضلال والعناد تدخلوا جنة لايخفى نعيمها على كل رائح وغاد.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم أمس في المسجد الحرام في زحمة الأحداث وتسارع المتغيرات وفي خضم تداعيات النوازل والمستجدات وكثرة الأطروحات والتحليلات يلحظ المتأمل الغيور غيابا أو تغيبا للرؤية الشرعية والنظر في فقه السنن الكونية والاستقراء التام للأحوال التاريخية والحضارية حتى حصل من جراء ذلك زلل اقدام، وضلال أفهام، وتشويه وحيرة عند كثير من أهل الإسلام، وخلط في الأوراق لدى كثير من أرباب الفكر والثقافة ووسائل الإعلام مما يؤكد أهمية المرجعية الموحدة للأمة الواحدة ترتكز في تحقيق أهدافها الخيرية على صحة المعتقد وسلامة المنهج، والعناية بمصالح الأمة الكبرى ومقاصد الشريعة العظمى باعتدال في الرؤى وتوازن في النظر وأسلوب عال في الطرح والحوار.
وأضاف يقول معاشر المسلمين الكل يدرك ما تواجهه أمتنا الإسلامية اليوم من متغيرات متسارعة تضاعفت من خلالها نذر الأخطار المتصاعدة متغيرات وجدت فيها الأمة نفسها أمام نظام عالمي جديد دون أن نعلم موقعها فيه ومكانها في خارطة متغيرات أصبحت فيه نداءات مقدسات المسلمين وصراخات الأرض المباركة وأنات فلسطين واستغاثات الأقصى مهددة بالضياع في دهاليز التيه وأنفاق الظلم، وغدت حسرات أرض الفرات تتحشرم في الحلوق بين انعدام الأمن وضياع الحقوق وتطاول إرهاب الصهاينة المعتدين لتنفيذ مؤامراتهم ضد أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين في قفزات متسارعة لتحقيق أحلامهم في إقامة دولتهم الكبرى بزعمهم وإقامة جدار الفصل العنصري في إذكاء لثقافة الصراع والعنصرية ولغة الحقد والكراهية بين الشعوب.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام وبدأت ملامح التحرش الشرس على مقدرات الأمة وقيمها حتى بلاد الجزيرة لم تسلم من أعمال الاستفزاز والاستهداف فغرر ببعض أبنائها، وأصبحوا أدوات تنفذ من خلالها أعمال العنف والإرهاب والتخريب والإرعاب وسلوك مسالك الغلو والتكفير والتفجير والتدمير، وآخرون يعيشون حياة التفريق والجفاء بين مطرقة التغريب وسندان العولمة في وضع يمثل صورة صارخة لمقدار التبعية الفكرية والانهزامية الثقافية لديهم مع جرأة عجيبة في المزايدة على الشريعة، وتزييف الفكر والوعي الذي يستمد جذوره من التنكر لعقيدة الأمة ورسالتها التاريخية، والسقوط في متاهات التقليد ومتاهات التبعية، واجتراء فكر الغير بانهزامية مفرطة يتبعها سعي حثيث لنسف هوية المجتمع وتغيير بنيته الفكرية ومنظومته الاجتماعية، والطعن في مناهجه الشرعية وأعماله الخيرية والإغاثية والاحتسابية، والتلاعب بقضايا المرأة والحجاب، فكأن لهم الوصاية عليها والمحاماة عنها، وهم داؤها لا دواؤها، وجعلها شماعة يعلقون من خلالها ما يهومون من انزلاق عقدي وفكري للأمة وحل للنسيج الاجتماعي المتميز فيها في مشروعات التغيير وأطروحات التنوير والتطوير التي يقصد بها النيل من ثوابت الأمة وتغييب ثقافتها الشرعية، وهذا الأمر ليس بدعا من الظواهر المعاصرة فلم يزل أحفاد عبدالله بن أبي عليهم من الله ما يستحقون يظهرون ويتجددون في كل زمان، ويلبسون لكل عصر لبوسه تختلف قوالبهم وتتحد قلوبهم في شرخ عقيدة الأمة وإغراق سفينتها.
وأعرب عن خشيته أن تشهد المرحلة القادمة حربا ضروسا على القيم الدينية والثوابت الشرعية، كما يخشى أن كل من تيار الغلو والغلو المضاد أداة طيعة للأعداء المتربصين في اختراق سفينة الأمة، وتسويق مشروعاتهم الفكرية والاجتماعية وبسط نفوذهم على مراكز الرأي في الأمة تحت مسميات براقة وشعارات خلابة تجعل التدمير والتفجير شهادة وجهادا، كما تجعل الفساد إصلاحا، ولهذا فإن استبانة سبيل هؤلاء وأولئك ورصد توجهاتهم عن طريق دراسات واستراتيجيات تزيل الشبه عن الأجيال اللاحقة يعد حفاظا على الفكر الوسطي المعتدل أمام معاول الهدم والتخريب التي تحاول إسقاطه، إما بالتفريط والجفاء، أو الافراط والغلو مما يؤكد ضرورة حماية الأمن الفكري في الأمة بتحقيق التعاون بين الجهات العلمية والبحثية والشرعية والأمنية والإعلامية والتربوية لصد العدوان الشرس الذي يستهدف بلادنا في عقيدتها وأمنها وفكرها واقتصادها.
وأكد الشيخ عبدالرحمن السديس أنه لابد من تجفيف منابع الإرهاب بنوعيه والغلو والتطرف بشقيه، وذلك ليس مجرد ترف علمي وإعلامي بل هو من الضرورات المهمة والأولويات الأكيدة التي تحافظ على سفينة الأمة أمام أمواج المحن وتلاطم الفتن لتصل إلى بر الأمان وشاطىء السلامة والاطمئنان.
وقال: إن السؤال المطروح بإلحاح ازاء هذه الأوضاع المزرية هو كيف نتجاوز سلبيات هذه المرحلة ونعاود البناء والإعمار، أولسنا خير أمة أخرجت للناس أو لسنا أمة الشهادة على العالمين أولسنا الموعودين بالنصر والتمكين ألم يئن الأوان لتحويل هذه السنن الشرعية إلى واقع حضاري فعال، فنحن أمة لاتعرف التلاشي والسقوط، ولا يتطرق إليها اليأس والقنوط فسرعان ما تكبو تنهض وتعلو إنه من خلال الوعي بهذه الحقيقة لتجديد الثقة بالله وقرب نصره ثم إعادة الثقة بالنفس وبث أخلاقيات الأمل والتفاؤل والتحصن بالرشد والاعتدال المطلوب للخروج من مرحلة الضياع التي تكاد تعصف بالأمة خارج دائرة العالم الحضارية، وبذلك يجتمع الشتات وتسوى الصفوف لتكون الأمة في كيان واحد كبير، وإن تعددت منه الأطياف لتكرس للتعاون والتكاتف والتكامل لا للخصام والجفاء والتقاتل في توظيف للطاقات، وتنمية للقدرات في عصر القوى الكبرى والتكتلات العظمى لتستوعب طاقات الأمة عامة والشباب خاصة وتضبط عطاءها وتستثمر جهودها على أحسن وجوه لانتفاع البلاد والعباد.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن أحدا لا يرضى أن تبقى الأمة مفرقة لا جامع لها تتخبط في مواقع الفتن، وتخوض في مواضع المحن وتسبح في بحر متلاطم بلا ربان مهرة، بل أحيانا بلا سفينة صالحة فكيف يكون هذا حال أمة أمرها الله بالتوحيد والوحدة، وما الذي يمنع الصفوف من التراص والمواقف من الاجتماع ونحن أمة الاخوة والوئام والتكاتف والتعاون والالتئام والتلاحم والاعتصام، إننا نريد أن نتجاوز إلى محطة من التحرك والإيجابية انطلاقا من رؤى شرعية لا تروم المستحيل ولا تجافي الواقع، ولكنها تهدف إلى معالجة الأمور على ضوء المقاصد الشرعية والضوابط المرعية.
وقال الشيخ السديس: إن مرجعية تعنى بالقواعد والأصول وإن اختلفت الفروع وتهتم بالكليات وإن تنوعت الجزئيات تعنى بالثوابت والنتائج المحكمات، وإن تباينت الوسائل والمقدمات والاجتهادات لهي الفريضة الامل والمخرج الصائب والبلسم الناجع الذي يقضي على الآراء الأحادية والفتاوى الفردية والنظريات أحادية الجانب، ويجتث آراء الرويفضة ممن يتكلمون في أمور الشريعة ويخوضون في أمور الحلال والحرام، وهم ليسوا منها في ورد ولا صدر عبر اثارات صحفية وتلاسن إعلامي فضائي مسطح جر الأمة إلى هوة سحيقة من الفرقة والشتات في الرأي والعجز والوهن في المواقف.
وأكد انه لا اعتصام للأمة ولا اجتماع إلا إذا احتمت بسياج المرجعية المعتبرة من الولاية المسلمة والعلماء الربانيين فلابد من هبة للدين وقومة لله مثنى وفرادى ثم تفكر في أساليب وطرائق الصلاح والاصلاح في صرح من التلاحم في القلوب قبل القوالب داعيا المسلمين قادتهم وعلماءهم ودعاتهم وشبابهم إلى المبادرة جميعاً في وضع البنية التحتية وحجر الزاوية الأرضية في سبيل نصرة دين الله معتصمين بشرعه مدركين انه لا حول لنا ولا قوة إلا به وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولن ندرك غايتنا إلا بهدايته ولن نحقق أهدافنا إلا بتوفيقه ومعونته ولن نخرج من المحن والبلايا والنوازل والرزايا إلا بإعزاز دينه والغيرة على محارمه وتحكيم شريعته والوقوف في صف دعاته فلا موضوع بعد اليوم للتحيز والانفصال فضلا عن المناطحة والصدام وإن مخافة الجماعة والانطلاق من رؤى ضيقة من التحيز والتحزب والاعجاب بالرأي وتسفيه الآخر مؤداه لا محالة إلى الفشل الذريع.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: إننا نذكر الذين مازالوا يهمون أو حتى يتعاطفون أو يسكتون أمام هذه الأفكار الضالة إفراطا أو تفريطا أن يعلموا أي جناية يجنونها في حق دينهم وأمتهم وبلادهم، ولذا فإن المراجعات في هذه القضية العامة والخطيرة ضرورة قصوى فإن المسلم لو رجع إلى الحق درجة مهما وصفه الواصفون خير له من أن يلقى الله غدا وقد تلطخت صفحته بدم حرام سفكه في غير حله أو سار على ما لم يسر عليه سلفنا الصالح.
وأردف الشيخ السديس يقول: لقد تكرم ولاة الأمر بفرصة كافية للعفو والمراجعة وتلك مكرمة ومنقبة للعظماء عبر التاريخ فاستجاب من استجاب وحقه علينا الإشادة والتأييد وشفاعة الأمة أن يجد العفو والأمان والصفح والغفران أم من كابر وأصر على ضلاله فإنما يجني على نفسه وأسرته ومجتمعه، وسيجد مغبة استكباره عن الحق ونتيجة إصراره على الباطل فيندم حيث لا ت ساعة مندم استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
وأعرب عن أمله في شبابنا الذين هم محل فخارنا واعتزازنا أن يتبينوا قدامهم محل وقع أقدامهم وأن يحذروا من وسائل الاثارة والاستفزاز مهما كان مروجوها ولتهنأ بلاد الحرمين- حرسها الله- دائما بالأمن والأمان والخير والسلامة والاطمئنان في بعد عن اسباب الفتن وبواعث المحن وما ذلك الله على الله بعزيز.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved