كان عام1912 الذي ينتمي إلى الأيام الخوالي قبل الحربين العالميتين والهولوكست والذعر النووي والشبكات الإرهابية، لا يبدو من المرجح أن يمثل نقطة فاصلة في الانتخابات الأمريكية الحاسمة.
ولكن جيمس تشيس يبين بوضوح وبرؤية ثاقبة أن ذلك الموسم السياسي الذي مر عليه عشرات السنين قد انعكست أصداؤه على نحو عميق عبر القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين.
ويقول تشيس إنه من خلال المطالبة بتحرك فيدرالي من أجل معالجة الأمراض الاجتماعية قام مرشحان رئيسيان وهما وودرو ويلسون وثيودور روزفلت ببناء الرئاسة المعاصرة.
ومن خلال اختبار الاتجاه المحافظ للرئيس ويليام تافت وتفضيله على اتجاه النشاط الاجتماعي لروزفلت، صبغ الحزب الجمهوري نفسه بصبغة التوجه المحافظ وليس التقدمي، وهي تلك الشارة التي يضعها بفخر على صدره حتى اليوم.
أما بالنسبة للستة في المائة التي ذهبت إلى مرشح آخر وهو إيوجين دبس فقد كانت تعبر عن الاتجاه المؤيد للاشتراكية الأمريكية.
والذي وجد جذوره لدى مرشحين هامشيين مثل روس بيروت ورالف نادر.
وفي عام 1912، كان الحزب الجمهوري (GOP) هو الحزب المهيمن حيث أنه سيطر على البيت الأبيض خلال 24 عاماً ضمن 52 عاماً الماضية (منذ أبراهام لنكولن).
وعلى الرغم من أنه استعاد الرئاسة بعد فترتين من حكم الديمقراطي ويلون (13-1912)، فإن الحزب لم يعد كما كان.
وقد شهدت بدايات القرن العشرين مجتمعاً صناعياً تكنولوجياً متنامياً في الولايات المتحدة.
وقد تم استبدال حلم جيفرسون بجنة فاضلة للمزارعين المستقلين بالواقع المتمثل في ملايين من عمال المصانع والموظفين الذين يعملون تحت عبودية الشركات الكبرى.
وأصبح السؤال هو كيف تكبح جماح تجاوزات هذه الحقبة وفي الوقت نفسه تحافظ على المبادئ الديمقراطية الحالمة ؟! وقد اتفقت القومية الجديدة لروزفلت والحرية الجديدة لويلسون في أن الحكومة الفيدرالية النشطة يجب أن تقلم أظافر الرأسمالية من أجل مصلحة العمال والمستهلكين، تلك الفلسفة التي وجدت الطريق مفتوحاً أمامها للتعبير عنها في الصفقة الجديدة للحزب الديمقراطي بعد عقدين من الزمان.
كانت انتخابات عام 1912 انتخابات مجنونة.
فقد جاء ترتيب تافت، رئيس الولايات المتحدة، الثالث في الانتخابات.
أما روزفلت، والذي رفض ترشيح الحزب الجمهوري بسبب ما أطلق عليه الخداع، فقد حمل لواء الحزب التقدمي.
وجاء ترتيبه الثاني حيث تسبب في تشتيت أصوات الحزب الجمهوري وأدى إلى خسارة الانتصار المضمون لتافت.
وقد أصبح الحليفان عدوين لدودين في السباق الرئيس وأعلن تافت أمام الصحفيين أن روزفلت كان أقرب أصدقائي.
أما ويلسون، الرئيس السابق لجامعة برنستون وحاكم نيو جيرسي، فقد وصل إلى البيت البيض بالقصور الذاتي حيث حصل على 42 % فقط من أصوات الناخبين.
ويرى تشيس أن روزفلت ظل المعجزة العجيبة التي انعكست أثارها على الآخرين، ذلك الرجل "صاحب العزيمة والقوة والحماس والثقافة".
وقد أشار تافت ذات مرة إلى أن روزفلت لم يفتن العالم فقط ولكنه تسرب إلى أصغر خلاياه.
لقد انتاب الفائز بجائزة نوبل للسلام والرئيس السابق التعب من الشهرة.
لقد جرفه الحنين للعودة إلى المعارك السياسية وفي انتخابات 1912 ترك العنان لما كان يطلق عليه مقترحات راديكالية، بما في ذلك المطالبة بفرض ضرائب على الدخل وعلى التركات والعمل ثماني ساعات في اليوم والمطالبة بحقوق التصويت للمرأة ووضع قيود على الانفاق المالي في الانتخابات.
لقد التفت حوله الجماهير الغفيرة مثل نجم من النجوم وكانت لحظة روزفلت الفاصلة حينما أطلق عليه رجل مجنون الرصاص وأصر على إكمال خطابه والرصاصة مستقرة في صدره.
ولكن ويلسون أثبت أيضاً أنه شخصية فعالة ومؤثرة في الحملة الانتخابية.
لقد كان له سحره الخاص وابتسامته الواثقة وصراحته وإخلاصه.
وعلى الرغم من أن أعداء روزفلت قد صوروه على أنه نصف عبقري ونصف مجنون وفي بعض الأحيان يشطبون كلمة عبقري، فإن ويلسون كان بديلاً مضموناً لتلهف الجماهير على انتخاب زعيم مصلح.
ومع ذلك فإن أخلاقيات ويلسون القويمة لم تخدمه جيداً خلال الرئاسة، فلم يستطيع أن يحصل على موافقة مجلس الشيوخ بشأن اشتراك الولايات المتحدة في عصبة الأمم عندما رفض الوصول إلى حل وسط مع الأغلبية الجمهورية.
وأعلن ويلسون في مؤتمر السلام بعد الحرب العالمية الأولى إنني إذ لم أكن أشعر إنني قادر على العمل بحرية كاملة، فإنني لا أستطيع الاستمرار.
وبالنسبة لتافت الأمين والمتأنق، فإن عام 1912 كان يعني بالنسبة إليه التخلص من عبء الرئاسة التي لم يمتع بها وإعادة التوافق مع روزفلت والعودة إلى عشقه الحقيقي وهو القانون من خلال المحكمة العليا.
الكتاب: 1912 : Wilson, Roosevelt, Taft and Debs -The Election That Changed the Country
المؤلف: James Chace
الناشر: Simon & Schuster; (May 10, 2004)
|