Saturday 24th July,200411622العددالسبت 7 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

الخطر الفكري للتلفزيون على ذهنية الطفل! الخطر الفكري للتلفزيون على ذهنية الطفل!

  (قبل سنة، طرحت جريدة اللوموند الفرنسية سؤالاً على أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و 15 سنة، على شكل استفتاء جاء كالتالي: لو خير لك أخذ شيء مهم معك للعيش في جزيرة نائية، ماذا تأخذ ؟ ) و كانت الدهشة أن 71% من الأطفال اتفقوا على أنهم سيأخذون التلفزيون معهم ، بينما أعلن 3% فقط أنهم سيأخذون والديهم! الجريدة علقت بعد تلك النتيجة قائلة إن التلفزيون لم يأخذ مكانة الوالدين في حياة الأطفال فحسب، بل أخذ مكانة الأكل و الشرب أيضاً، باعتبار أن الذين تم سؤالهم أعلنوا أنهم يستطيعون احتمال الجوع و العطش، و لكنهم لا يحتملون العيش بلا تلفزيون!!
بهذه السطور يستعرض كتاب (التلفزيون: افتح عينيك ) الذي صدر مؤخراً في فرنسا ليطرح الأسئلة الأهم التي صارت تشغل بال المجتمع الفرنسي، و العديد من المجتمعات الأخرى المرتبطة بالبنية الفكرية للأسرة وفق ما تتعرض إليه من ضغوطات و مخاطر صارت تأتي الآن من البيت نفسه، من شيء اسمه: التلفزيون!
حين تدخل إلى البيت و تجد الهدوء فيه، تكتشف أن أطفالك مستغرقين في مشاهدة برنامجاً تلفزيونياً في غرفتهم..تعتبر الأمر جيداً، لأن استغراق أطفالك أمام التلفزيون سيضمن لك الراحة، و الهدوء في البيت، ناهيك على أن استغراقهم أمام التلفزيون سيسليهم هم أنفسهم. هكذا تعتقد دائماً دون أن تسأل نفسك: ترى ماذا يشاهد الأطفال حقاً؟ حتى و أنت تطل برأسك من باب غرفتهم و تراهم يشاهدون أفلاماً كارتونية لا تسأل عن نوع تلك الأفلام الكارتونية التي صارت جزءاً من الخطر الفكري و المعنوي على ذهنية الطفل.
ربما أنت لا تعرف أن 25% من تلك الأفلام الكارتونية تسعى الى الربح التجاري عبر خلق جملة من المسميات الجاهزة التي تحاول التقرب من الطفل عبر العنف و عبر تصميم شخصية كارتونية قاهرة، تعيش البطولة كحالة دائماً و مستمرة و هو ما يتناقض في الأخير مع الواقع.
في أوروبا حطم الفيلم الكارتوني (البوكيمون) الرقم القياسي في عدد المشاهدين، فصار البوكيمون مرسوماً على ثياب الأطفال و على كراساتهم و على محافظهم المدرسة، من دون أن يسأل أحد من أين جاء البوكيمون؟ و من دون أن يستوعب أن إيرادات البوكيمون كانت تدخل في إطار الدعم العسكري لجهات داخل اليابان و خارجها، باعتبار أن حقوق التوزيع الدولي استفادت منها شركة أمريكية معروفة بتوجهاتها العسكرية. زد الى ذلك ( يقول الكتاب ) فإن التلفزيون كأداة مشاهدة نجح تدريجياً في إبعاد أطفالك عنك، فعدم الحوار معهم يعني مزيداً من المسافة بينكم، و عدم الإصغاء إليهم يعني بقية المسافة معهم..أنت نفسك تجد متعة كبيرة في متابعة التلفاز، يمكنك حتى إلغاء بعض المواعيد لمشاهدة مباراة كرة، و يمكنك إهمال الرد على الهاتف كي لا تقطع فيلماً تشاهده، يمكنك تأجيل تناول العشاء كي لا تفوتك حلقة من حلقاتك المفضلة.
تفعل ذلك و أنت على ثقة أنه التصرف العادي، بينما طفلك يتابع تصرفاتك بصمت..! هكذا يستعرض مؤلف كتاب (التلفزيون: افتح عينيك) العلاقة غير الطبيعية مع التلفزيون، ليس لأن ما يمثله التلفاز في حياة الفرد أهم من الأشياء الأخرى، بل لأن التلفاز هو جهاز لتلقي الأشياء من دون أن يكون لك حق التدخل فيها، بمعنى أنك لن تحتاج في النهاية الى أكثر من الجلوس و التركيز على أشياء و عوالم تتحرك أمامك، لا تدفع مقابل التفرج عليها أكثر من وقتك و جهدك الذهني!
لعل السؤال الذي يبدو مهماً هو: كيف ( تقتل) وقت فراغك؟ و هي الكلمة المستعملة ( تقتل) للحديث عن حدّة وقت الفراغ و خطورته على الإنسان، حين يعجز عن تحديد ماهية الوقت ليعرف كيف يسد فراغه؟ هذا بالنسبة للكبار فما بالك بالاطفال الذين بحكم سنهم و عدم تجربتهم في الحياة يعتبرون الوقت متاحاً لكل شيء، بما في ذلك لقضاء الساعات أمام التلفزيون، ليصنعوا من برامج معينة (مذهبا فكريا) بالنسبة إليهم، يصل الى حد التقدير و التأثير؟
في أوروبا وحدها يعاني أكثر من 7 ملايين طفل من صعوبة في النظر، بسبب الوقت الطويل الذي يقضونه أمام شاشة التلفاز، كما أن 15 مليون طفل يعانون من حالة عدوانية واضحة، جعلت ناقوس الخطر يدق في نهاية عام 2002 في فرانكفورت على شكل مؤتمر كان عنوانه( أنقذوا أطفالنا من العنف التلفزيوني) و كانت إشارة حقيقية تدقها الأمهات لتنبيه الرأي العام الأوروبي و الدولي بأن ما يبثه التلفزيون ليس مسلياً و ليس ثقافة ايجابية، بقدر ما يشجع على العنف داخل و خارج الأسرة.
في الفصل الرابع يتساءل الكاتب عن بدائل التلفزيون؟ حين لا تشاهد التلفزيون ماذا يجب عليك أن تفعل؟ فالدراسات الحديثة أثبتت أن ثالوث العنف، و الجنس و المخدرات صارت جزءاً لا يتجزأ من التلفزيون الحديث و الذي لا يهدد النمو السليم للطفل فحسب، بل و يهدد البنية الأسرية التي لا يمكنها أن تقوم على أساس انحلالي مهما كان التطور الحاصل في المجتمع، لأن الانحلال هو في النهاية انحلال على المستوى الأخلاقي الذي ينتهي الى الانتحار الكامل و هو ما يتعارض مع الدور الذي تقوم عليه الأسرة في أي مجتمع كان. يمكن الكلام عن البديل في حالات معينة حين تتوفر عناصر مهمة منها التوافق الأسري بين الآباء و الأبناء، بحيث إن التوافق هو الحب و التفاهم. يمكن للوالدين أن يعلما أطفالهما من سن مبكرة أن التنزه و المرح البريء في حديقة التسلية يمنح الانتعاش للجسم و يعطي فرصة للضحك و التعارف أيضاً بين الوالدين و أطفالهم و بين أشخاص آخرين و أطفال آخرين، حين يكبر الطفل قليلاً تكون ثمة بدائل أخرى.
ففي سن الدراسة تكون علاقة الطفل بالكتاب تشبه علاقته بحكايات ما قبل النوم، و هذا يعني أن تعليم الطفل حب المطالعة يعطيه الفرصة لاكتشاف عوالم مفيدة، من دون طبعاً أن نعطي له حقه في التفرج على التلفزيون من دون مبالغة. ويعتقد بعض الوالدين أن حرمان الطفل من التلفاز هو العلاج الجيد للكثير من المشاكل و لكن هذا ليس صحيحاً تماماً، بحيث إن الطفل الذي يكتشف أن والديه يشاهدان التلفزيون في الوقت الذي يمنعانه عنه يمكنه أن يشعر بحالة من الخيبة من سلوك والديه نحوه، كما أن السماح للطفل بمشاهدة نشرات الأخبار يمكنه أيضاً أن يحدث في نفسيته انكساراً لأنه يدرك بوعيه أن كل الفظائع و الحروب التي تبثها نشرات الأخبار هي حقيقة تجري على أرض الواقع، و هذا ينتج لديه خوفاً و رهبة من الآخر و من العالم الذي يدور خارج البيت و حوله.
يوجه الكتاب مجموعة من النصائح للآباء للتعامل مع (مشكلة التلفزيون و ما يقدمه من عنف للأطفال) تندرج في إطار ما يسميه الكتاب بالحلول الوقائية يطرحها على شكل النقاط التالية:
أولاً: مشاركة أطفالك اختيار البرامج التي يمكنها أن تكون مسلية و مفيدة لك و لهم ، و هذا يتطلب فهماً عميقاً بنفسية الطفل أولاً و ثانياً قدرة على جعل طفلك سعيداً بوجودك معه، لمشاهدة التلفزيون.
ثانياً: يمكن لأي أب أن يعي أن وقت مشاهدة التلفزيون يجب أن يكون وقتاً مسلياً لأطفالهم و ليس العكس، و لهذا يجب أن تكون البرامج التي يشاهدونها خالية من العنف، و من الإباحية و المخدرات.
هذا ينطبق على سلوك الكبار أيضاً، إذ إن رفض تشجيع العنف و الإباحية و المخدرات يجب أن يكون مسؤولية على الكبار قبل الصغار.
ثالثاً: يمكن للطفل أن يستمتع بأشياء أخرى مهمة و تكنولوجية مثل الكمبيوتر، فثمة أجهزة مزودة بأنظمة مهمة تربوية للرسومات و لتنسيق الألوان و حتى لتعلم الرسم و الموسيقى بشكل جيد و فعال كما هو مطروح في العديد من الأسواق الأوروبية اليوم.
رابعاً: تشجيع المبادرات الجماعية التي تعني اللعب جماعياً، و يمكن الاعتماد على الأندية الرياضية أو المراكز الرياضية التي تمنح للطفل فرصة التدريب على رياضات يحبها، كالسباحة أو الكاراتيه أو أية لعبة تمنحه فرصة الالتقاء مع أطفال في سنه يبادلهم الحوار و اللعب معاً.و هي فرصة للتعارف و للصداقات و لتبادل الحوار في أمور أهم من ساعات التلفاز المملة.
كتاب (التلفزيون: افتح عينيك) الذي نزل الى السوق مؤخراً يضاف الى الكتب التي تدق ناقوس الخطر أمام خطر التلفزيون على الطفل، بحيث إن استغراق الساعات لمشاهدة أي شيء يعني إجبار الطفل على أن يشاهد بدوره أي شيء.
فالمسألة تربوية في المقام الأول، لأن العنف ليس مجرد اطلاق للرصاص في فيلم سينمائي أو في فيلم كارتوني، بل العنف هو أن يصبح الطفل نفسه أداة بين أيدي التلفزيون يعجنه كيفما يشاء ليصنع منه (مشروع مجرم) بأي شكل من الأشكال.

الكتاب: Télé: Ouvre l' il
المؤلف: Pascal Petit
الناشر: Milan Junior - France -2004


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved