إشارة إلى ما كتبه الأخ أيمن بن سعد النفجان حول كتابي: من أخبار القبائل في نجد، فإني أود في البداية أن اشكر اخي النفجان على مراجعته الكتاب، كما أشكره على ثنائه عليه، كما احترم وجهة نظره، واقدر كل ملحوظاته، غير أنني أود أن أذكر بما يلي:
1- بالنسبة لمسمى الكتاب، فإنني أتفق مع اقتراح الأخ النفجان، وإن كان لم يغب ذلك عن بالي أثناء تأليف الكتاب، إلا أنني رأيت أن مسمى القبائل يطلق غالباً على القبائل غير المستقرة، وذلك مشهور حتى في أخبار السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي حيث يستخدم مسمى القبائل على البادية من باب التغليب، وكما هي الحال أيضاً في التقارير العثمانية، التي لا تستخدم مسمى القبائل للحاضرة، وإن كان أغلب أسر الحاضرة يرجعون إلى قبائل عريقة.
2- بالنسبة للملحوظة الثانية وما ذكره بشأن عدم وجود دراسة للمصادر في المقدمة، وعدم ذكر أسباب اختيار الفترة الزمنية للكتاب، فقد أوضحت في مقدمة الكتاب أن هذا العمل ليس إلا سجلاً أو كشفاً جمعت فيه أشهر حادث القبائل النجدية حسب ورودها في المصادر التاريخية المتاحة، ولم أتبع فيه منهج الرسائل الجامعية الأكاديمية، أما سبب اختيار تلك الفترة فلأنها هي الفترة التي تمس أشهر القبائل النجدية المعاصرة، كما أنها الفترة التي تغطيها معظم المصادر التاريخية النجدية المتوافرة لدينا، فما قمت به ليس إلا جمعاً وترتيباً لما في تلك المصادر، لتقديمه للقارئ مرتباً ومتسلسلاً مع ذكر المصادر بشكل علمي يمكن القارئ من الرجوع إليها بيسر وسهولة، فلم يكن اهتمامي منصباً على دراسة المصادر بقدر ما هو جمع ما فيها من إشارات مدونة تتعلق بأخبار القبائل، كما أنني لم أحاول تحديد منطقة نجد، لشهرة المنطقة ولأنها معروفة عند أكثر القراء، ومعرَّفة في كثير من المؤلفات المعاصرة.
أما فيما يتعلق بعدم اتباعي منهجاً واحداً في تقديم الأخبار، حيث ترد بالنص أحياناً، وبالمعنى أحياناً، فأرى أن ذلك هو الأسلوب الأمثل لمثل تلك الأخبار، لانها تتفاوت في قصرها وطولها وتتداخل مع أخبار أخرى احياناً لا علاقة لها بموضوع الكتاب، ولذلك فقد رأيت ان النقل حرفياً هو الأفضل أحياناً، وأن نقل المضمون هو الأفضل في أحيان أخرى، مع الإحالة إلى المصدر بشكل واضح لمن يريد الرجوع إليه.
4- أما ما ذكره بشأن عدم التوسع في تحديد المواضع الجغرافية، فإن ذلك لا يخرج عن منهج الكتاب وطبيعته فهو ليس كتاباً جغرافياً، وقد اكتفي بتحديد جهة الموضع أحياناً فقط لتقريبه إلى ذهن القارئ، ولا أتوسع في ذكر تفاصيل الموقع وتاريخه وسكانه وحدوده كما يفعل الجغرافيون وأصحاب البلدانيات.
5- بخصوص ما ذكر عن الاعتماد كثيراً على تحفة المشتاق، فلا أتفق مع ما ذكره الكاتب، لانه فهم الموضوع فهماً خاطئاً، فأنا لا أعتمد على كتاب تحفة المشتاق إلا في الأخبار التي انفرد بها هذا المصدر، أما اعتقاده بأن ما بعد سنة 1040هـ في تحفة المشتاق هو من تأليف عبدالله البسام المتوفى سنة 1346هـ، فهذا ليس صحيحاً، لأن عبدالله البسام جمع تحفة المشتاق من مصادر نجدية وحجازية كثيرة، وإن كان لا يذكر مصادره كعادة مؤرخي نجد.
ويبدو لي أن مدار تعليق الأخ النفجان يدور حول عدم قبوله لما ذكرته عن رحيل الفضول سنة 1085هـ، حيث يرى أن الذين ارتحلوا هم حاضرة الفضول، وأرى أن المقصود هو بوادي الفضول، وقد رجحت ما جاء في التحفة لأنه الأقرب للصحة، والدليل أن قوة الفضول لم تعد كما كانت بعد ذلك التاريخ، إلى أن تلاشت اخبارهم وحوادثهم القبلية من نجد بعد سنة 1154هت.
والغريب أن يطعن الكاتب في ترجيحي لقول ابن بسام المتوفى سنة 1346هـ، ويحتج بالشيخ الملا وهو حي يرزق!
أما كون انحدارهم للشرق أو للعراق، فلا فرق في ذلك في نظري!
6- أما ما ذكره من أنني لم أستوف جميع حوادث القبائل وأخبارها وأن لديه بعض الإضافات، فأنا لم أدع في كتابي أنني استقصيت كل ما كتب عن القبائل، بل ذكرت انني سجلت ما استطعت الوقوف عليه، ولذلك سميت الكتاب: من أخبار القبائل في نجد، ولم أقل: أخبار القبائل في نجد، ومن للتبعيض!
7- أما ما ذكره بشأن انتقادي للباحثين الذين يعتمدون على الروايات الشفهية والأشعار العامية مع أنني قد اعتمدت عليها في بعض الحوادث، فلا أتفق معه فيما ذهب إليه، فأنا لا زلت عند موقفي من نقدي لمن يعتمد على تلك الروايات في رسم صورة لتاريخ القبائل مع تركه للمصادر المكتوبة وعدم استقصائه لها، كما فعل البليهد أو غيره، وأرى أنه يجب أن تكون المصادر المدونة كالمخطوطات والتواريخ المطبوعة والوثائق المحلية والأجنبية هي الأساس، وأن تكون المصادر الشفهية ثانوية، وهذا لا يتناقض مع الاستئناس بالروايات والأشعار المتعلقة في بعض الحوادث القريبة، إذا خلت تلك المصادر الشفهية من المبالغة والتهويل، ولم تتعارض مع المصادر المكتوبة.
وختاماً، أشكر أخي النفجان على تعقيبه وأتمنى له مزيداً من الاطلاع والبحث والمعرفة، ولا يعني تعقيبي هذا أنني ادعي الكمال الكتابي، ولا النقص لمن يراجعه ويتعقبه، ولكن الأحكام تبنى على الأفهام والمقاصد، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. والله الموفق إلى الصواب.
فائز بن موسى البدراني الحربي |