كان خطاب العفو من خادم الحرمين الشريفين مقابل تسليم المطلوبين أنفسهم الذي ألقاه ولي العهد قبل نحو شهر من الآن بوابة واسعة لدخول كل المطلوبين إلى التعقل والتأمل والتفكير المتأني لاتخاذ قرار الاستجابة لنداء الأبوة والفرح به؛ لأنه يحقن الدماء، ويحمي الأنفس، ويتيح للجميع فرصة التقارب والتآلف بدلاً من التناحر والاقتتال، وهذا سيحصل لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.يطيب لي أن أقف فيما بقي من الوقت مع الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: هنيئاً لمن سمع النداء فأجابه، وما أعقله لأنه استطاع أن يحكّم ما علم من آيات الله وأحاديث رسوله، وأعمل عقله في تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وتخلى عن أهوائه وظنونه وأوهامه، وهذا موقف الرشد والصواب والحكمة والعدل مع النفس ومع الآخرين.
الوقفة الثانية: ما أطيب قلب والدنا خادم الحرمين الشريفين وما أرحمه وما أوسع صدره، وما أرفقه وأبره بأبنائه وإن جهلوا، أو أخطأوا، أو تجنوا، إنه ينظر إليهم نظر المشفق الذي يخاف عليهم من سلوك غير الأسوياء، ويخشى عليهم أن تنحرف بهم تلك الأفكار إلى الخسارة في الدنيا والآخرة، إنه يحب لهم الخير ويكره لهم الشر، يحب أن يراهم عناصر فاعلة في بناء المجتمع وخدمته، ويسره أن يراهم يعملون لإسعاد أنفسهم وأهليهم وإخوانهم وجيرانهم، وتقر عينه بأوبة هذه الفئة إلى آبائهم وأمهاتهم الذين لم تكتحل أعينهم برؤيتهم منذ أمد بعيد، ولذلك فحق على كل مسلم ومواطن ومقيم أن يدعو لخادم الحرمين الشريفين بخيري الدنيا والآخرة، وأن يسدد رأيه ويبارك في عمله، وحق على هؤلاء الأبناء أن يصافحوا اليد الممدودة لهم بالأمن والأمان والسلم والسلام فيحفظوا أنفسهم ويقهروا شياطين الإنس والجن الذين يفرحون بالبلوى تصيب بلادنا وأهلينا.
الوقفة الثالثة: فتح باب العفو للمطلوبين أمنياً قرار رشيد ورأي سديد، وإن كان يوماً واحداً، أمَا وقد جعله ولاة الأمر - وفقهم الله - شهراً كاملاً لتصل رسالة العفو لكل أحد سواء داخل البلاد أو خارجها، ولتكون المدة كافية لاتخاذ قرار التسليم بطواعية واختيار ذاتي لا إكراه فيه ولا إلزام، وليقطعوا السبيل على كل أحد يمكن أن يتعذر بعدم العلم بالعفو، وقد ساعدت وسائل الإعلام المحلية والعالمية بتبليغ الرسالة وتوصيلها لكافة أرجاء المعمورة، وهنا يمكن القول لقد وصلت الرسالة وأُقيمت عليهم الحجة، ولم يبق إلا المعاند والمكابر.
الوقفة الرابعة: لقد أعذر من أنذر، فلم يعد للائمٍ أن يلوم، ولا لمتمنٍ أن يتمنى، وليس بوسع أحد أن يقترح حلاً سلمياً أفضل من قرار العفو، ولكن ماذا بعد هذا؟
إن قرار العفو لم يُبْنَ على ضعف أو عجز أو خوف، وإنما أُسِّس على الشفقة والرحمة والعطف والمحبة والإحسان، ولكن ما دام الطرف الآخر صاداً عن الهدى، معرضاً عن الحق، قد غطَّى عقله بلباس الشبهة والضلالة، وستر عينيه بحجاب التبعية العمياء، والتسليم المطلق لشياطين الإنس، ودعاة الفكر المنحرف،.
|