في هذه الأيام يكثر السفر ويزداد عدد المسافرين ولا تخفى أهمية السفر في حياة الإنسان وعظم حاجته إليه، فقد عرف الإنسان السفر منذ القدم، وقد قال الإمام الشافعي - رحمه الله - عن فوائد السفر بيتين مشهورين هما في قوله:
تغرّب عن الأوطان في طلب العلا
فسَافِر ففي الأسفار خمسُ فوائد
تفريجُ همٍ واكتسابُ معيشة
وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد |
وقد قيل (وما سمي السفر سفراً إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ويكشف حقيقة معادنهم) وهذا مجرب فكم من رجل أعجب به من حوله لكن ما إن يسافر معهم حتى تنكشف الحقيقة ويبين الوجه الكالح وهذه ثمرة من ثمار السفر.
وللسفر آداب وضوابط شرعية منها طلب الصحبة، قال صلى الله عليه وسلم: (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) كما أن الوئام واتفاق الرأي مهم جداً في السفر لذا من الأهمية أن يتم اختيار أمير لهم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليُؤَمِروا أحدهم)، كما من الأهمية عدم نسيان الأذكار ومنها دعاء الركوب ودعاء السفر، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على بعيره خارجاً إلى السفر كبّر ثلاثاً ثمّ قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البِرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بُعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل (وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن) آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون)، كما أن من آداب السفر التسبيح عند هبوط الأودية، والتكبير عند اعتلاء مرتفع، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، ومن الأهمية توديع الأهل والأقارب وغيرهم، وكذلك تعجيل العودة بعد الفراغ من الحاجة التي سافر لأجلها.
ومن المحاذير التي يجب على المسلم الحذر منها أنه إذا خرج في سفره ألا يصحب معه كلب ولا جرس فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تصاحب الملائكة رفقة فيهم كلب ولا جرس) ويسن لمن نزل منزلاً أن يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فمن قالها لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك كما ورد في الحديث، ومن ثمار السفر أن الدعاء في السفر مستجاب، وفي الحديث (لا ترد دعوتهم) وذكر منهم المسافر.
ومن السُنة ألا يطرق المسافر أهله في الليل إذا قدم إلا إذا أخبرهم بذلك، كما ثبت في حديث جابر وغيره، ومعنى الطروق: القدوم ليلاً.
كما من السُنة عند القدوم من السفر أن يأتي المسجد ويصلي فيه ركعتين.
وهذه الضوابط الآنف ذكرها هي في الواقع غيض من فيض، ولعل الحديث القادم يكون استكمالاً لها - بإذن الله -.
|