إن الإسلام دين الله المتين، لا يقبل من أحد ديناً سواه؛ فهو جامع بين العلم والعمل وسط في العبادة والمعتقد، صدق في الأخبار، عدل في الأحكام، ومع هذا فقد انحرفت طوائف عن صراط الله وعن دينه الذي ارتضاه فتنكبت طريقاً معتماً وسلكت وادياً مجدباً، وسنة الله ماضية في كشف ستره عن الظالمين ولو بعد تتابع الدهور قال عز وجل {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} ولقد أبان الله في كتابه العزيز أحوال اليهود تصريحاً وإسهاباً وإيماءً واقتضاباً في مئات الآيات ووصفهم وصفاً مطابقاً عادلاً وحذر منهم ووضعهم في مقدمة صفوف أعداء المؤمنين قال تعال {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}. واجهوا الإسلام بالعداء والكبر واحتضنوا النفاق والمنافقين وحرضوا المشركين وتآمروا معهم ضد المسلمين، اكتوى المسلمون بنار عداوتهم وكيدهم وتطاولت ألسنة السفهاء منهم على خالقهم، جمع لهم نبيهم بين الأمر والنهي والبشارة والنذارة فقابلوه اقبح مقابلة وكانوا معه في أفسح الأمكنة وأرحبها وأطيبها هواء سقفهم الذي يظلهم من الشمس الغمام وطعامهم السلوى طير من ألذ الطيور وشرابهم من العسل، يتفجر لهم من الحجر اثتنا عشرة عينا من الماء، فطلبوا الاستبدال بما هو دون ذلك طلبوا الثوم والبصل والعدس والقثاء، وهذا من قلة عقلهم وجحدهم النعم، يعتقدون الصواب والحق مع من يشدد ويضيق عليهم، عرضت عليهم التوراة فلم يقبلوها حتى أمر الله جبريل فقلع جبلاً من أصله على قدرهم ثم رفعه فوق رؤوسهم وقيل لهم إن لم تقبلوها القيناه عليكم فقبلوها كرهاً قال تعالى { وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. هذه حالهم مع ربهم ورسولهم.
ولما بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حرضوا الناس عليه وقاتلوه. وآذوا النبي صلى الله عليه وسلم وتآمروا على قتله والغدر به مراراً وهموا بإلقاء حجر كبير عليه في بني النضير من اعلى بيت كان يجلس تحته فأتاه خبر السماء وأهدوا إليه شاة مشوية فيها سم فلاك منها عليه الصلاة والسلام شيئاً وظل متأثرا بما لاكه منها حتى توفي صلوات الله وسلامه عليه.
مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وسحروه حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله؛ فشفاه الله وخلصه، واستهانوا بحرمة الإسلام وحماه.
يشعلون الفتن ويوقدون الحروب ويبثون الضغائن ويثيرون الأحقاد والعداوات وكلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله يكتمون الحق ويحرفون الكلم عن مواضعه اصحاب تلبيس ومكر وتدليس {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} ينقضون العهود وينكثون المواثيق. قتلوا عدداً من الأنبياء الذين لا تنال الهداية إلا على أيديهم بالذبح مرة والنشر بالمناشير أخرى وأراقوا دم يحيى ونشروا بالمنشار زكريا وهموا بقتل عيسى وحاولوا قتل محمد صلى الله عليه وسلم مرات فنجاه الله من كيدهم {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} ولا خير فيمن قتل نبياً. اليهود لنعم الله وآلائه جاحدون نجاهم الله من الغرق مع موسى فلم يشكروا الله بل سألوا موسى إباءً واستكباراً أن يجعل لهم إلها غير الله وقالوا لنبيهم لا نؤمن لك حتى نرى الله بأعيننا جهرة، يعبدون الله على ما يهوون للهداية يتنكرون، للمؤمنين يمقتون وبالمكر يرتدون وبالأثم والحنث يرتضون وللشر والعداء يمتطون، قوم حساد إن رأوا نعمة بازغة على غيرهم سعوا لنزعها، يرون أنهم أحق بها منهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن اليهود قوم حسد) رواه ابن خزيمة.
دمروا الشعوب والأفراد بالربا يستمتعون بأكل الحرام يستنزفون ثروات المسلمين بتدمير اقتصادهم وإدخال المحرمات في تعاملهم يفتكون بالمسلمين بإفلاسهم ويسعون إلى إفقارهم يأخذون الربا وقد نهوا عنه ويأكلون اموال الناس بالباطل يتعالون على الآخرين بالكبر تارة وبالازدراء أخرى يتعاظمون على المسلمين عند ضعفهم ويذلون عند قوتهم يرون أنهم شعب الله المختار وغيرهم خدم لهم خلقوا لقضاء حاجاتهم لا تتنزه ألسنتهم عن الكذب والفحش والبذاء. قالوا عن العظيم سبحانه يد الله مغلولة وقالوا إنه فقير ونحن أغنياء. وقالوا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم إنه ساحر وكذاب فتتابعت عليهم اللعنات.
افتتنوا بالمرأة ونشروا التحلل والسفور يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أول فتنة بني إسرائيل في النساء) رواه مسلم، دعوا إلى الإباحية والفساد مع التستر تحت شعارات خداعة كالحرية والمساواة والإنسانية والإخاء يفتكون بالشباب المسلم ويغرونه بالمرأة والرذائل ويعملون جاهدين للفتنة بالمرأة ضاعفوا جهودهم لإخراج جيل من المسلمين خواء لا عقيدة له ولا مبادئ ولا أخلاق له ولا مروءات يلوثون عقول الناشئة بتهييج الغرائز والملذات تارة بالمرئيات واخرى بالفضائيات يحسدون المرأة المسلمة على سترها وحيائها ويدعونها على السفور والتحلل من قيمها ويزينون لها مشابهة نسائهم في الملبس والمعاملة ليحرفوها عن فطرتها، يزينون للشباب والنساء الشهوات لينسلخ الجميع عن دينه وقيمه فيبقى أسيراً للشهوات والملذات قال الله عنهم {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
يهدفون لهدم الأسرة وتفكيك الروابط والأسس الدينية والاجتماعية لتصبح لا خطام لها ولا لجام ينشرون فيها الرذائل والفواحش ويدمرون الفضائل والمحاسن.
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}، جبناء عند اللقاء قالوا لنبيهم:{فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، يفرون من الموت ويخشون من القتال {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ} يحبون الحياة ويفتدون لبقائها. ذهبوا في كفرهم شيعاً {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} اختلافهم بينهم شديد ونزاعهم تليد، الألفة والمحبة بينهم مفقودة إلى قيام الساعة قال تعالى {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} وهذا جزاء من أعرض عن الحق يشغل عنه بالباطل هم أكثر اتباع الدجال، طم بغيهم وعم فسادهم لا تحصى فضائحهم ولا تعد قبائحهم امرنا الله بالاستعاذة من طريقهم في كل يوم سبع عشرة مرة فرضاً وما اتصف به آباء اليهود بالأمس يسير على ركابه الأحفاد اليوم ظلم في الأراضي المقدسة إجلاء من المساكن تشريد من الدور هدم للمنازل قتل للأطفال اعتداء على الأبرياء استيلاء على الممتلكات نقض للعهود غدر في المواعيد استخفاف بالمسلمين وهتك لمقدساتهم.
النصرعلى الاعداء وتحرير الاقصى لن يتحقق إلا براية يستظل بها المقاتلون براية التوحيد ولن يكون ذلك إلا بالأخذ بالأسباب والرجوع إلى الله وتقوية الصلة به سبحانه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}، وبهذا تقوى الأمة وترهب عدوها. وإذا انغمست الأمة في عصيانها وغفلتها وبعدها عن خالقها بعُد النصر عنها، ويجب علينا إصلاح أنفسنا من الداخل بالتسلح بسلاح العقيدة قولاً وعملاً وواقعاً ويجب علينا أن نحذر دسائس اليهود في تدمير المسلمين.
ويجب علينا الحفاظ على شبابنا وصونهم من المغريات والمحرمات كما يجب الاهتمام بنسائنا وشغلهن بما ينفعهن في دينهن وعدم تعريضهن للفتن ومنعهن من التبرج والسفور والاختلاط وتحصين الجميع بالعلوم الشرعية وتكثيف ذلك في دور التعليم مع حسن الرعاية وكمال الأمانة في القيام بها والسعي إلى إصلاح الأسرة المسلمة وألا نهزمها من داخل أروقتها بما تتلقاه مما يعرضه أعداؤها عليها، ولتعلم ان كل فترة وكل زمن يعم فيه الفساد يكون لليهود من المكر والكيد ما يحقق ذلك إنهم يسعون إلى الفساد والإفساد في الأرض والله لا يحب الفساد.
( * ) إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف |