ونرى المؤلف في مقدمته عن الإرهاب، وهو في المقدمة رقم (1) يرى أن أعمال العنف عرف مع الإنسان منذ القدم، فقبل الحرب العالمية الثانية كان الإرهاب محدوداً، ومرتبطاًَ بمجموعات من الناس للمطالبة بحقوقها المسلوبة، وقد استعملته الولايات المتحدة كدولة ضد الهنود الحمر والزنوج الأمريكيين في مختلف القرون منذ إنشائها.
وبعد الحرب العالمية الثانية قامت الدول الكبرى: بالتهديد والخطف وأعمال التخريب وزعزعة الاستقرار ضد الدول الصغيرة، والجماعات والأفراد، فيما تراه الدول الكبرى، حماية وخدمة لمصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولذا فإن الإرهاب الذي تسببت فيه الدول الكبرى منذ الخمسينيات أنتج ردّ فعل عنيف في العالم الثالث، ممثلاً في الثورات، وحرب العصابات والتحرير ضد الاستعمار، فأنتج العنف داخل المجتمعات النامية بسبب المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها بعد الاستقلال، وتغذي ذلك الدول الكبرى المستفيدة.
ثم استعرض مراحل الإرهاب، واتساع نطاقه في الغرب، ومع الدول والمجتمعات الصغيرة، فخلص إلى القول: إن دول الغرب، ورغبتها في السيطرة على مقدرات الشعوب، والاستعلاء والتحكم في مصالح الأمم، كانت هي المغذية للإرهاب، وفي المقدمة رقم (2) يوضح المنظمات اليهودية: الرعب الصهيوني في فلسطين بواسطة جماعات إرهابية، وفي مقدمتها: الأرقن والستيرن والهاجاناه، وذلك في العشرينيات إلى الأربعينيات، ثم تلا قيام دولة إسرائيل التي زاولت شتى أنواع الرعب والإرهاب، وما زالت تزاول هذا العمل إلى اليوم وخاصة في الأرض المحتلة ولبنان التي كانت هدف غزو وإرهاب وتدمير البلاد في أعمال إسرائيلية منظمة، وتحت مرأى ومسمع ومعرفة العالم، وأحياناً بتأييد من الغرب.
ثم استعرض الأعمال الإرهابية التي تشجعها أمريكا وغيرها من الدول الغربية في العالم بأسره وحسب الأحداث التي مرت في القريب.
وخلص في هذا الموضوع إلى القول: ولأن الإرهاب بطبيعته عمل مكروه وغير أخلاقي، فإنه من الملاحظ غالباً أن كل من يقوم بعمل إرهابي، ينفي عن نفسه صفة الإرهاب، وكل عمل عنيف يقع تحت مسمى إرهاب من طرف ما، نجد في المقابل نفي صفة الإرهاب عنه من قبل الطرف الآخر.
وفي ختمه هذا الموضوع من المقدمة: بأن تعريف الإرهاب أوجد مشكلة: فالدول الاستعمارية تشير إلى أن مقاومة القوى الوطنية ضدها يعتبر عملاً إرهابياً ، وهذا من اختلاف المفاهيم، مما عاق حتى الآن وصول الأمم المتحدة إلى تعريف للإرهاب متفق عليه.
وفي موضوعه: في الإرهاب - قليل من كثير: يوضح أن الإرهاب من قبل كان محدوداً ومحصوراً، في أحداث تاريخية وأمكنة معينة، لكنه اليوم انتشر كانتشار السرطان، حيث أصبح إرهابي الأمس، عدو الإرهابي اليوم، ويستعمل إرهابي الأمس، الإرهاب اليوم تحت مسمى محاربة الإرهاب، وهناك من يرى مشروعية أعمال العنف لمقاومة المحتلّ، وآخر يرى فيها عين الإرهاب.. كما نجد ذلك في مصطلحات إسرائيل ضد عرب فلسطين والمقاومة ضدها.
ثم استعرض الأعمال ضد العرب وأطفال الحجارة، وأعمالاً عديدة تقوم بها إسرائيل صباحاً ومساءً، ويعتبره اليهود عملاً ضد الإرهاب، ودفاعاً عن النفس، ولما كان كل من يرى الإرهاب من زاويته، فإن هناك إجماعاً دولياً نسبياً بنبذ الإرهاب الذي يتسبب في موت الأبرياء، ويحدث وراءه الدمار الماديّ، رغم أنه لم يتم الاتفاق بعد: على تعريف للإرهاب الذي أصبح خطراًَ يهدد المجتمعات وأمنها، حيث تعدى الإرهاب مرحلة المقاومة والردّ عليها، إذ أصبح في كل مكان، وضد من كان.. وهذا هو الجنون.
وفي ص 37 بدأ يعطي وصفاً دقيقاًَ للإرهابي حيث قال: والإرهابي كما هو معروف في وقتنا الحاضر: شخص يعمل لتحقيق أهداف متطرفة اجتماعية كانت أو اقتصادية أو سياسية، وفي الغالب غير معترف بها من قبل حكومة قائمة في المجتمع الذي يزاول فيه الإرهاب، ويلصق التطرف بشكل عام على عمل الإرهاب، لأن الإرهابي يستعمل كل ما لديه من وسائل لتحقيق غايته، أياً كانت هذه الغاية، بما في ذلك رغبته الأخذ بالثأر، ورغبته لفت النظر العام لقضيته، والاتصال بالناس، عن طريق الوسائل للإعلام عن قضيته، لأن الإرهابي عنده، الغاية تبرر الوسيلة.
ليقول في هذا البحث: إن الإرهاب فقد فاعليته وتأييده من قبل الرأي العام الدولي، رغم انتشاره كموضة جارفة، لأن أعماله العنيفة أودت وتودي بحياة الأبرياء، وتتسبب في الخراب والدمار، عكس ما كان الحال في السابق، حينما كانت الحكومات غير قادرة على التعامل مع الإرهابيين.
فاليوم أصبح الرأي العام حليفاً للحكومة، وخير مثال على ذلك التفاف المواطنين في المملكة ضد مرتكبي حادث التفجير الإرهابي الغريب بالعليا في الرياض يوم الإثنين 20 جمادى الآخرة، 1416هـ، ومهم هنا رد الحكومات على الإرهابيين بطريقة مخالفة لما يريدونه، يعيق من إنجاز مساعيهم، ويحبط استراتيجيتهم، وهذا مما يهزم الإرهاب.. وعن الأسباب في الإرهاب (ص 51-58) يقول: تتنوع أسباب الإرهاب، والنتيجة تبقى واحدة، رعب وخوف، وقتل وتخريب، وتدمير أو بعض من ذلك، ولكن لماذا الإرهاب؟.
لقد قيل الكثير عن مسببات الإرهاب، وقدمت تحليلات مختلفة بهذا الصدد، ومن هذه الأسباب ربطه بالإنسان وطبيعته كعامل وراثيّ، ومنها اعتبار الإرهاب جزءا فرعيا من الحضارة والثقافة السائدة إلى أن قال: وما زالت بعض الجهات الغربية، ومعها الصهيونية وإسرائيل تعمل جاهدة، وعلى مختلف الجهات لإقناع العالم بأن الإرهاب مرتبط بكل ما هو عربيّ وإسلاميّ ومع كثرة التعليلات والتحليلات حول أسباب الإرهاب، يتضح أنه لا يوجد سبب واحد للإرهاب، وتبعاً لذلك لا يوجد اتفاق مشترك على ما هي الضوابط: أسباباً وغايات.
وعن أنواع الإرهابيين (ص 59-62) يوضح أن الإرهابيين ليسوا سواسية، فهم يأتون من مختلف الفئات، الاجتماعية ويختلفون في الأهداف والمميزات، فمنهم طلبة متطرفون، ومنهم مجرمون بمختلف ألوان الإجرام، ومنهم مضطربو العقل، ومنهم مغالون ومتطرفون في الدين.. وهؤلاء منهم من هو مدفوع بأهداف سياسية أو اجتماعية، ومنهم من هو مدفوع بأهداف وغايات وطنية أو دولية، ومنهم من هو مدفوع بغايات شخصية أو نفسية أو مادية.
وبعد أن ذكر نماذج من أعمال الإرهابيين في العالم، وصنفها تحت مسميات أوردها ضمن أنواع الإرهابيين نراه يقول: ومع هذا فكلا الإرهابيين ورجال المقاومة قد يستجيب للتأييد المالي والعسكري الآتي من دول قد تستفيد من أنشطتهم في عمليات العنف والإرهاب.. ومما ذكرنا يتبادر لذهن البعض صعوبة الافتراض أو التعميم عن الشخصية الإرهابية، من خلال جمع المعلومات عن بواعث الإرهابيين ودوافعهم وأهدافهم (للحديث صلة).
هاجس الأعشى:-
جاء في خزانة الأدب: أن الأعشى قال: خرجت أريد قيس بن معد يكرب بحضر موت، فضللت الطريق، لأني لم أكن سلكته قبل، فأصابني مطر، فوقعت عيني على خباء من شعر، فقصدته، فإذا أنا بشيخ على باب الخباء، فسلمت عليه فرد عليّ، وأدخل ناقتي خباء آخر، فحططت رحلي وجلست، فقال: من أنت؟ وإلى أين تقصد؟ قلت: أنا الأعشى أقصد قيس بن معد يكرب فقال: حياك الله أظنك مدحته، قلت:نعم. قال فأنشدني ما قلت، فابتدأت بمطلع القصيدة؟
رحلت سمية غدوة أجمالها
غضباً عليك فما تقول بدالها |
قال: حسبك أهذه القصيدة لك؟ قلت: نعم. قال: من سمية التي تتشبب بها؟ قلت: لا أعرفها، وإنما هو اسم ألقي في روعي، فنادى: يا سمية.. اخرجي، وإذا جارية خماسية قد خرجت، فوقفت وقالت: ما تريد يا أبت؟ قال: أنشدني عمك قصيدتي في مدح قيس بن معد يكرب، وتشببت بك في أولها: فاندفعت تنشد القصيدة حتى أتت على آخرها لم تخرم منها بيتاً ولا حرفاً. ثم قال لها: انصرفي ثم قال: هل قلت شيئاً غير هذا؟ قلت: نعم. كان بيني وبين ابن عم لي اسمه: يزيد بن مسهر، ما يكون بين بني العم فهجاني وهجوته فأفحمته. قال: ماذا قلت فيه؟ قال: قلت:
ودع هريرة إن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل |
قال: حسبك فمن هريرة هذه: قلت لا أعرفها وسبيلها سبيل التي قبلها، فنادى يا هريرة، فإذا جارية قريبة السن من الأولى خرجت: فقال: أنشدني عمك قصيدتي التي هجوت بها يزيد بن مسهر فأنشدتها لم تخرم منها حرفاً، فسقط في يدي وتحيرت وتغشتني رعدة.
فلما رأى ما نزل بي قال: ليفرخ روعك يا أبا بصير، أنا هاجسك مسحل بن أثاثة، الذي ألقى على لسانك الشعر.
قال الأعشى: فسكنت نفسي، ورجعت إليّ، وسكن المطر، فدلني على الطريق، وأراني جهة مقصدي، وقال: لا تعج يميناً ولا شمالاً، حتى تقع ببلاد قيس (549-3 للخطيب البغدادي).
|