في مثل هذا اليوم من عام 1957 تولى الحبيب بورقيبة رئاسة الجمهورية التونسية. وقد ولد بورقيبة سنة 1903 في عائلة متواضعة ماديّاً واجتماعيّاً في حي الطرابلسية بمدينة المنستير الساحلية،ولم يكن للأسرة ما يميزها عن بقية الأسر التي تحاول أن ترتقي إلى الطبقة الوسطى بصعوبة ملحوظة، فوالده كان يعيش حياة الكفاف من معاشه ومن المقدار الزهيد الذي يتقاضاه من عمله كخبير فلاحي، وكان أمل الوالد أن يتمكن ابنه الصغير من الحصول على شهادة التعليم الابتدائي مثل إخوته حتى يُعْفَى من الخدمة العسكرية التي كانت تُفْرَض على كل تونسي لم يسعفه الحظ للحصول على هذه الشهادة.
حرص الوالد على إدخال (الحبيب) إلى فرع المدرسة الجادقية التي بناها المُصْلِح خير الدين التونسي بهدف تكوين كوادر تستجيب لحاجيات الإدارة الحديثة، هناك اجتهد الطفل حتى تمكن من الحصول على شهادة في اللغة العربية، لكن إصابته بمرض السُّل الذي قتل الشاعر الشاب أبو القاسم الشَّابي، جعله ينقطع عن الدراسة لمدة سنتين تقريباً وفي المستشفى اطلع على كتاب (تونس الشهيدة) الذي ألَّفه الزعيم عبد العزيز الثعالبي، ذلك الشيخ الزيتوني المُجَدِّد ومؤسس الحزب الدستوري الذي سيلتحق بورقيبة بصفوفه وقيادته فيما بعد. بعد فترة النقاهة، تحدَّى الشاب - الذي بدت عليه علامات القيادة والطموح - أوضاع الفقر، وتَمَكَّن بفضل مساعدة أحد إخوته من مواصلة الدراسة بمعهد (كارنو) الفرنسي الذي تخرج منه ولا يزال آلاف المثقفين التونسيين ذوي التكوين اللغوي المتين في مادة الفرنسية، ولم تمض ثلاث سنوات فقط حتى برز في العلوم الرياضية والأدب والفلسفة، وهي المواد التي سيعتبرها فيما بعد (أساس التربية الحَقَّة ومحور تهذيب العقل).
|