ضخ الاستثمارات والعاطفة والحماس الوطني عناصر لا تكفي وحدها لنجاح السياحة الداخلية في أي وطن وليس في المملكة وحدها ، على الرغم من كل الجهود الرسمية التي بذلت والأموال الوطنية التي أنفقت لا تزال مسألة السياحة الداخلية بحاجة إلى مزيد من (الوعي) و(التنظيم) و(التحكم) ، ولكل كلمة من هذه الكلمات الثلاث دور في النجاح بإذن الله.
نقصد بالوعي ليس للجمهور وحده ، فحملات التوعية المصورة التي انطلقت حتى الآن رائعة وناجعة ، لكن هذه الروعة وهذا النجاح لا يكتملان إلا بوعي الطرف الآخر وهو المستثمر ، الذي يجب عليه أن يكون معقولا في أسعار خدماته التي يقدمها للسائح الوطني.
في استطلاع رأي في أحد البرامج الإذاعية المباشرة عن السياحة الوطنية ، اشتكى الكثير منهم من المبالغة في ارتفاع أسعار الخدمات ، بدءا من السكن وانتهاء بالألعاب وغيرها من الاحتياجات اليومية ، وقال آخر : أتمنى أن أنفق إجازتي في ربوع وطني ، شريطة أن لا تكلفني السياحة الداخلية أكثر مما يكلفني السفر.
هناك شكاوى من المبالغة في إيجار الشقق التي لا يكون مستواها بمستوى أسعارها ، ونشرت بعض الصحف عن قضايا الغش التجاري وإيهام الزبون بالتخفيض أو الجودة ، ثم لا يكون ذلك كله إلا وسيلة تستغل المهرجانات السياحية للتخلص من مخزون بضائع في المستودعات ، لهذا فإن النجاح في هذا الجانب لا يتحقق باقتناع السائح المحلي ، لأن هذا الاقتناع قد يتحقق بسهولة ، لكنه يبطل إذا لم يكن المستثمر مقتنعا بالتضحية وواعيا بظروف المنافسة مع السياحة الخارجية ، ليكسب السائح المحلي ويحول بينه وبين السفر للخارج.
أما التنظيم فنقصد به حتمية وجود جهة تقوم بتنظيم المهرجانات المتعددة في مناطق المملكة المختلفة بحيث لا تتزامن كلها في وقت واحد ، وتتم من خلال هذا التنظيم عملية مراعاة الظروف المناخية لكل منطقة ، بحيث يكون مهرجان كل منطقة أو مدينة في أفضل أوقاتها المناخية قدر المستطاع ، ولا تجتمع كلها في كل المناطق وفي وقت واحد فيتشتت جمهورها بين المناطق.
والمقصود بالتحكم هو أن تكون هناك رقابة من الجهات المعنية بقضايا الغش التجاري وأسعار الشقق والفنادق ، وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي يحتاجها السائح الوطني ، ويتم تحديد سقوف للفنادق والشقق لا يمكن تجاوزها مهما كثر عليها الطلب ، وعلى أصحابها أن يفهموا أن المحتاج إذا أقبل مرة على هذه الأسعار ، وتعامل مع الأمر الواقع ودفع فإنه لن يعود مرة أخرى ، و هذه خسارة كبيرة على المدى البعيد يتكبدها أصحاب تلك المرافق وتؤدي إلى ضعف حركة السياحة الداخلية.
لقد خطت السياحة الوطنية خطوات متقدمة ، وحققت نجاحات على كل المستويات خاصة بعد ظهور الهيئة العليا للسياحة ، ومع ذلك فإنها لا تزال وليدة وتحتاج إلى المزيد من الوعي والتنظيم والتحكم ، لنصل إلى الهدف المأمول وهو أن نجعل المواطن والمقيم معا يعدلان عن السفر ، لينفقا ما ادخراه لقضاء إجازة صيفية ممتعة في ربوع هذا الوطن المتعدد المصايف .. والله من وراء القصد.
|