* كتب هذا التحقيق - أحمد عبدالرحمن الفقيه:
الصيف.. فصل.. وكلمة تتردد على ألسنة الناس.. وأين ستمضي هذا الصيف؟ في لبنان.. في سويسرا.. في خارج المملكة.. أسئلة تدور في أذهان العديد من أبناء بلادي العزيزة، وتتكرر على مرأى من العين ومسمع من الأذن..
ولكنني أدعوك عزيزي القارئ إلى رحلة قصيرة إلى ربوع بلاد غامد حيث جمال الطبيعة فوق كل جمال.. وحسن المنظر يسبي العقول.. وكرم أهل المنطقة.. يغمر كل وافد، فتحس بطيب المعشر وسمو الخلق أدعوك إلى مصيف من أجمل مصايف المملكة الحبيبة.. وإلى منطقة هي السحر الحلال بعينه، منطقة ترحب فيها الطبيعة بكل وافد يرحب بك السهل والجبل والوادي والشجر.
فعلى ارتفاع يزيد على 3700 قدم فوق سطح البحر تقع منطقة بلاد غامد في سلسلة جبال السروات الممتدة شرقي البحر الأحمر.. شاءت الأقدار أن تجعل منها محط رحال لي لمدة ستة عشر يوما.. شاهدت فيها من عجائب الطبيعة ما تفتقر إليه مصائف (عالية) أو بلاد فارس.. أو حتى سواحل الريفيرا في فرنسا.
نعم أقول هذا، وأنا متأكد مما أقول.. فلقد حبت الطبيعة هذه الأرض حلة سندسية، وتسابقت أشجار العرعر والزيتون مادة قاماتها وهي تحاول أن تطاول السماء لتشكل فوق سفوح الجبال سدوداً منيعة لتحد من مرور السحاب وداعية له.. بتخفيف حمولته على أغصانها وفي شعاب أرضها.. وحقا إنها منطقة يحق لي كأحد أبناء هذه البلاد أن أفخر بها مصيفا على سائر المصايف.. وأدعوك عزيزي القارئ لزيارتها.. لتتأكد من صدق ما أقول، ولو حاولت أن أسرد لك عنها فإنني سأقف موقف العاجز.
إن هذه المنطقة لا تبعد أكثر من ثماني ساعات بالسيارة من الطائف.. وخط الطائف جيزان يخترقها وجزء كبير من هذا الطريق قد مهد أو عبد، وحركة المواصلات بها مستمرة ليل نهار.. إن شئت ركبت في سيارة أجرة صغيرة وإن عز ذلك فعلى سيارات النقل التي لا يقف أزيزها بين جبال ووديان وأسواق المنطقة.. وأهلها كرماء تنظر إليهم فتجد سمات العربي الأصيل متجسدة في قسمات الوجوه السمر. وإن كان لي من دليل على ذلك فهو أنه حين تعطلت سيارتي في منطقة تدعى بلجرشي.. خف إلي رجلان هما من كبار تجار مدينة بلجرشي أحدهما يدعى الشيخ سعيد بن علي بدوخي تاجر مواد مختلفة في الجهة الغربية، وبالقرب من مدخل المدينة.. وثانيهما هو السيد علي بن زومة.. تاجر أدوات سيارات ومحروقات، عارضين المساعدة والضيافة.. ولقد حدا بالشيخ سعيد بن علي كرمة وحبه للقادمين إلى أن استأجر سيارة جيب ووضعها تحت تصرفي.. ولم يكن لي سابق معرفة معهما أو مع أحد منهما، ولكن ما أن علما أنني غريب عن تلك الأرض حتى جاهدا في سبيل معاونتي، وإن يكن لي من سبيل لرد ذلك، فهو شكر الشيخ سعيد خاصة، وكذلك السيد علي آل زومة على ما قدماه من حسن المعاملة وكريم الخصال.
وأسواق هذه المنطقة تعج بالمواصلات المختلفة، وبالمواد الاستهلاكية بجميع أنواعها، ولا تجدك غريبا أو بعيدا عن الأهل حين تكون مقيما في ربوع تلك الارض.. فوفرة المياه والمناظر الطبيعية كلها كفيلة بأن تدخل على نفسك البهجة والسرور أولا، وحسن معاملة أهلها تجعلك كأحدهم ثانيا وعلى ما أعتقد أن أهم ما يبحث عنه الراغب في المصيف هو الراحة النفسية.. وجمال المنظر.. والهدوء.. ورخص المعيشة.. وهذه شعار بلاد غامد.
ولقد خطت وزارة الزراعة خطوتها الجبارة بالمحافظة على الغابات والعمل على نموها وتشجيع الزراعة المحلية.. فتوفرت بذلك المحصولات والغلات بشتى أنواعها من شتوية وصيفية.. واستقدمت الشتلات التي وزعت على الفلاحين ودربت الأيادي فزاد المحصول.. ولقد شغفت كثيراً.. بفواكه الخوخ.. والرمان والعنب والتفاح البلدي والمشمش، وسررت كثيراً حين علمت أنها مصدر من مصادر الدخل للفلاحين.. ولقد كان للبنك الزراعي النصيب الأوفر في إقراض المزارعين ما هم في حاجة إليه.
وبهذه المنطقة: من المنتوجات ما تفتقر اليه أجزاء كثيرة من المصايف. فلقد وجدت حتى العطور تتم زراعتها في مناطق تدعى (شدى) وتهامة، وهذه العطور تجلب إلى الأسواق على هيئتها الطبيعية دونما استخراج.. ويدعى جزء منها (الكادي) و(البعيثران) او ما يسمى بادو.
وحدث عن بلدة الحمران ولا حرج وهذه البلدة.. من أجمل ما نظرت ليه، ومن أبدع ما شاهدت من مناظر.. ولا أجدني مبالغا إذا قلت: إنها شبيه إلى حد بعيد ببلدة من بلاد سويسرا.. هي (لوزان) تكثر فيها النسمات الباردة العليلة وتبكي على جبالها السحب حين الإشراق وقبل الغروب.. ولقد أحسن أهلها صنعا عندما استغلوا جمال الطبيعة فجعلوا منها عروسا زاهية لبلاد غامد.. والمنطقة عموما لا تخلو من الأماكن اللطيفة البديعة.. فلقد قادتني الخطى إلى (المرزوق) و(النعيم) وإلى (ميسان)، وهذه البقعة في بني كبير إحدى المناطق المؤلفة لبلاد غامد..
وحقيقة يجب ألا أخفيها ولا أكون مقصراً في إظهار ما شاهدت على حقيقته دونما زيادة أو نقص.. لقد وجدت فيها من جمال وماء ونعمة حبتها به يد الخالق ما أقف معه.. خاضعا دون استرسال.. فالمياه تنساب بين الشعاب سهلة باردة نظيفة، وكأنها تتقدم، في خطى وئيدة، والسحاب يظلل ما بقي من أرض لم ينله ظل الأشجار الوارفة والمتزاحمة.. ولا تسمع فيها غير خرير المياه وأصوات الطيور الصداحة..
وإن سهولة المواصلات.. والتنقل بين القرى والمدن وجبال المنطقة لهي متعة أيما متعة.. تلذ بها العين قبل الروح، وإن نسمات العليل الباردة والأمطار الصيفية وجمال الطبيعة لهي لوحة الصيف التي تجدها كل يوم قبل كل عام على سفوح الجبال، وفي شعاب منطقة بلاد غامد.. وهكذا عزيزي القارئ أن بلادنا -ولله الحمد- لتزخر بالعديد من المصايف.. ولتنعم بجمال الطبيعة الذي ينقص عددا كبيرا من مصايف العالم، بل لا تصل تلك المصايف إلى طبيعة بلادنا، وما حباها إله الكون من حسن وجمال.
|