في العدد 11603 من جريدة الجزيرة بتاريخ الاثنين 17 جمادى الأولى 1425هـ، قرأتُ تعقيب الأستاذ القدير محمد بن سعود الزويّد -رعاه الله تعالى- على مقالي الأخير (دفاع عن أوائل الثانوية...).
وفي البدء أشكر للأخ تفضّله بالتعليق الحواريّ ذي النقاط المحددة، والرأي الواضح، والهدف الأوضح، ولي هذا التعقيب عليه:
1- بالنسبة لقضية المفاضلة بين التخصصات، فلا أنفي تميّز العمليّ التطبيقي (العلمي) فيها، ولا أتجاهل الطلب عليه. لكن للتخصصات غير العملية (الأدبية) تميّزها الآخر خارج الحفظ والإلقاء العقيمين؛ فهذا التصوّر المُشاع مغلوط إذا أردنا الحقيقة، وليس صفة ذاتية في التخصصات نفسها. إنما نحن مَن ألصقها بها، وإلاّ بماذا نُفسّر وجود (علماء) يُفخَر بهم في التخصصات العلمية؟ ووجود (مُفكِّرين) يُفخر بهم في التخصصات الأدبية؟ إن مَن يطلب الراحة (قارئا، أو مُدرِّسًا، أو طالِبَ علم) هو الذي يَصِمُ التخصصات (علمية أو أدبية) بسمات خارجة عنها، هي مجرد أحكام مُسبَّقة وقيود تغلّ حرّيتها وتميّزها، أو تُكسبها ما ليس فيها وما ليس خاصا بها وحدها، وهدفنا ليس رصف الأحكام المسبّقة. إنما هو محاولة تفعيل هذه التخصصات في تقدّمنا الحضاري، فكلّها يخدم ويُطوِّر. ولي حديث مطوَّلٌ قادمٌ -بإذن الله تعالى- حول هذا الأمر، فيه الأمثلة التي أدعو الله -تعالى- أن تكون مُقنعةً موفّقة؛ لكي نحافظ على التوازن في تقويم التخصصات الدراسية بما يُسهم في المحافظة على توازن تقدير طلبتِنا لها ولأنفسهم.
2- أما ما يخصّ تفسير عبارتي المذكورة باتجاهها نحو الإفادة بأن التعليم الأغلى ثمنا هو الأحسن كذلك، مثل الملبس والمأكل، فأتّفق مع الأستاذ القدير في إمكان فهمها بهذا الشكل الذي لم يكن المقصود؛ وذلك لعدم ضبطي الكافي لها بما يحميها من إمكانية الاتجاه في هذا المعنى الذي فسّرها به. وأرغب أن أُوضّح أنّ ما عناني في هذا المقام ليس الكيف والتّميُّز المطلق في المباني أو الكفاءات التعليمية بالدرجة الأولى، وإنما توفُّر الحفاظ على الحق النفسي للتلاميذ، وللأطفال الذكور -خاصة ووفق تجربة واقعية- إذ لحظْتُ على بعض المُدرِّسين -وأتمنّى أن يكون شيئا نادرا- عُنف التعامل مع الأطفال، وأطفال الصف الأول الابتدائي بعد الأسبوع الترفيهي من استخدام التهديد المرعب، والضرب بالعِصيّ على الوجه، أو على الرأس، أو حمل الطفل وضربه بالأرض ورفسه في الشّهر الأوّل؛ انطلاقا من قاعدة خاطئة تربويا إذا أُخِذت بإطلاقية متطرّفة، هي أن الشّدّة تولّد الانضباط السلوكي والتميز العلمي، ولا أظنّهم ينفعوننا حينما ظللنا نعاني معالجة أطفالنا من الكوابيس التي توقظهم يصرخون ليلا، وقد رأوا شبح ذلك الأستاذ يتّجه إليهم أو يضربهم أنصاف الليالي، ومن حالات الربو النفسي، والرُّعاف، والقلق، والخوف، والتفكير بأساليب عنيفة جدا درجة أن ّ طفل الصف الأول يتمنى تفتيت مدرِّسِهِ العنيف بطلقات دبّابة ضخمة! ويُهدِّد بأنه لن يدرس بعد هذا العام! وإن أجبرناه سيصبر حتّى يكبر، وسيتعامل معنا بالأسلوب نفسه إذا كرّرنا الإجبار!!؟؟
ولا أظن المدارس الأهلية تجسر -في أغلب الظن والأحوال- على شيءٍ من ذلك؛ فللتّلميذ تقدير مصنوع منظوم وفق ما يخدم مصلحة المدرسة، ويحمي اسمها من أيّ شوائب.
وللأمانة، لا أظن وزارة التربية والتعليم ترضى عن ذلك، ولو عَلِمَتْ به لن تهمل أخذ الحق لصاحبه، وتأديب المُتعدِّي، ولها في ذلك وقفات مُشرّفة . لكن أين مَن يُقدِّر أمانة التربية والتعليم حقّ قدرها في مُدرِّسي ومُدرِّسات أطفالنا من النواحي كلّها، وفي أيّ مؤسسة، دون رقابة الوالدين ومُطارداتهما بالشّكاوى للمسؤولين؟!
الجوهرة آل جهجاه
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
معيدة في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي |