لعلنا ندرك بالوعي الإسلامي الحنيف والحس العقدي وما يبينه الواجب المهني والتوجه القيمي الأخلاقي مغبة ما يحدث حولنا من تجاوزات تمر وتتسلل الينا عبر ما تقدمه وسائل الإعلام التي تنقل الأحداث إلى الناس, وناهيك عن دواعي هذه التجاوزات حيث يدور حولها خلاف هل هي سياسية أم أنها تغييرية اجتماعية أم أنها قيمية أخلاقية أم أنها تآمرية خارجية تسللت إلينا كتسلل الغازات السامة؟
نترك تحليل هذا الأمر للمختصين فيه فنحن نحترم الاختصاص ونترك له الأمر، وما نعنى به في هذا المقال نواتج هذه التجاوزات وما صدر عنها من اضطرابات نفسية واجتماعية شملت الكبار من أبناء الوطن، وتركت اثرها المقيت بل والفظيع الآني والمستقبلي - لفترة ممتدة وطويلة- لدى الصغار -وهذه هي الكارثة والعياذ بالله- في عصر يُدعى -على غير بينة- عصر تجاذب الحضارات بين الهيمنة التسلطية في جانب والاحباط الاندحاري في جانب آخر, هذا هو الظاهر في واقعنا المعاش، محاولة النيل من حضارة الألف وأربعمائة عام ويزيد عليها خمس وعشرون.
ويعتمدون في هذا المنحى على خصوصية إيهامية تحت مقاصد الهيمنة الارغامية.
وهذه المقاصد في التحليل السلوكي تقود لحتمية المشروع الضدي وهو مشروع متصلب يتعلق بطبيعة وآليات الكراهية، بل وفعاليات المؤامرة.
وفي المجال العام مع الكراهية والمؤامرة تتبدى سياسات القبول والرفض لتعلقها بشعارات واهية في بنائها القيمي الثقافي ولارتباطها بمقولات إنشادية زائفة حول القانون الأخلاقي والمدني، والعدالة الإنسانية والحرية، إنها مجرد شعارات مقيتة يغيب عنها الضمير لا صحة لها ولا طائل من ورائها.
وما دام حديثنا في هذا المقال -كما سبق ان ذكرنا- يدور حول ردة الفعل النفسية لدى كل من الكبار والصغار على السواء نتيجة تجاوزات البعض اللاسوية اللاأخلاقية التي خلفت الاضطرابات النفسية والاجتماعية، فقد تمثلت في تجمع حزمة من العلل المرضية، لم تكن فقط أعراضاً كما يتمثلها بعض من الاختصاصيين لاختلاف العرض الظاهر عن المرض ذاته: فالعرض النفسي قد يكون غير منظور وقد لا يؤثر بالسلب في درجة التفاعل الحياتي، بينما المرض حسبما تكون عليه درجة شدته واستمراريته يمكن ملاحظته ويتطلب سرعة التدخل حتى لا يستفحل مثل حالات الهذيان الحاد والهوس والاضطراب الحاد في التفكير والخوف والقلق الذي يؤدي إلى الاكتئاب والحزن الوهمي والهلاوس وفقد الهوية، واضطراب العواطف والمشاعر والهستيريا.
وما من شك ان ما ظهر من تجاوزات سلوكية لا سوية كان وراء بزوغ العدد من هذه الحالات ذات الارتباط بتلك التجاوزات المفزعة المقززة الباعثة على نوازع الهلع كما بدت عليه في معظم وسائل الإعلام المعنية سواء كانت مع أو ضد في الداخل والخارج جعلت الواقع المشاهد في الطرح العام دافعاً للاختلافات المفاهيمية تبعاً للولاءات والتحالفات بل والحياة ودواعيها الأمانية قدراً ومصيراً مما أضاع وضعية الإنسان المكدود في هذه الحياة التي باتت تعاني من جراء هذه التجاوزات.
ومواجهة هذه التجاوزات تحتاج لجسارة دونما اللجو لتبريرات ليست غيورة فالأمر يتوجب بذل الطاقة والجهد من قبل المتخصصين من ذوي الحماس والجرأة لتقديم أساليب علاجية طموحة ومنضبطة إنسانياً لمواجهة مردود التجاوزات اللاسوية واللاأخلاقية واللاإنسانية ولنتذكر قول رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء)، على ايدي أصحاب الهمة، ومن أهلوا ليكونوا في عون الناس، ومن كانوا مفاتح للخير، وذلك لتحقيق الأمن والأمان النفسي والسكينة والطمأنينة.
فكيف يمكن تقديم العون العلاجي لكلا الطرفين اصحاب السلوك اللاسوي ونتائجه من تجاوزات ولمن ابتلي من جراء هذا السلوك كباراً وصغاراً كي نعيد لهم الأمن والأمان النفسي.
فهل ثمة قناعة بأنه في الإمكان أن نصنع شيئاً من أجلهم؟
من أجل انخراطهم في حياة سوية إنسانية طبيعية ليعم الخير على الجميع. فكيف يتأتي ذلك؟ كيف نقدم المساعدة المنطقية المتوافقة؟ كيف نكرس جهود الكل السوي لخدمة الكل الإنساني؟
الاجابة: يمكن ذلك، نعم يمكن ذلك إذا تضافرت كل الجهود وقدمت الدعم والمشاركة لتقديم العلاج اللازم للمبتلين من الطرفين بتحويلهم لمراكز علاجية -حتى ولو كان العلاج بتراً وعقاباً- وان يُختار لهذه المراكز الاختصاصيون في الأمر، من ذوي الكفاءة والوعي المعرفي والمهاري. وينبني العلاج على فئات إرشادية توجيهية تستهدف إزالة الظنون ومحو الأسباب ثم اداءات الممارسة الإكلينيكية لمن يحتاجها من تلك الحالات مع مراقبة فعالية هذه العلاجات وعواقبها. مع الوضع في الاعتبار أن يتم من خلال تنسيق جيد, وتخطيط علمي رصين، وان يكون المدخل (جماعياً) يستبصر الواقع. وقد يحتاج الأمر على الرغم من ذلك طلب معونة الجمعيات المتخصصة في الطب النفسي لتقديم الخدمات الممكنة لهذه الفئة التي مرضت بفعل آخرين باسقاطاتهم و تقليد أفعالهم. والله من وراء القصد.
|