الإنسان في سعيه في هذه الدنيا قد تنتابه الأمراض والآفات، وقد تعترضه الشدائد والأزمات، ولكن القوي من وقف كالصخرة الصلداء في مواجهة تلك الأزمات والصدمات.
ولقد خُلِقَ الإنسان في هذه الحياة في كبد ومشقة، وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} . قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: أن الإنسان يكابد أمراً من أمر الدنيا وأمراً من أمر الآخرة، وفي رواية يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة. وقال الإمام الطبري - رحمه الله - : لقد خلقنا ابن آدم في شدة وعناء ونصب. وقال القرطبي - رحمه الله -: أي في شدة وعناء من مكابدة الدنيا.
فإذا عرفنا هذا، وعرفنا أن مقامنا في هذه الدنيا قليل، استقر في أذهاننا، أن الدنيا ليست دار مقام ولا خلود، وأن الحياة نصب وتعب، ولو كان خلود في هذه الدنيا لخلد الأنبياء والرسل، ولو كانت الدنيا خالصة بلا أسقام وأكدار لخلصت لهم من كل الأكدار وسائر العلل والأمراض، ولكنها قصيرة كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا في الدنيا كراكب استظل بظل شجرة، ثم قام وتركها)، إنها لحظة وتنتهي الأعمار والآجال.
وإذا عرفنا أن حياتنا هذه من وراءها حياة أخرى، وأن هناك عهداً من الله تعالى بجنة عرضها السموات والأرض لمن اتقى وآمن وصبر، أدركنا أسباب السعادة التي يعيشها المسلم، وأمله الذي يتجدد مع كل شروق شمس وغروبها لحياة أخرى فيها ما وعد الله المتقين الصابرين الفائزين.
فالمسلم يعرف حتماً أن الأعمار مقضية وأن الآجال قريبة ولكن إلى دار السعادة الأبدية. لذا فهو في الدنيا سعيد رغم كل الصعاب والمشاق، لا يعرف اليأس، ذلك أن اليأس ليس من طبيعة المسلم ولا ينبغي أن يكون خلقاً له، بل هو في استبشار دائم واستعداد لكل تقلبات الحياة ومفاجآتها. خلاف ما عليه الكافر إن أصابته ضراء انقلب على عقبه مكفهراً عبوسا قنوطاً وربما قتل نفسه.
ويعرف أيضاً أن كل ما يصيبه في هذه الحياة الدنيا من أمراض أو شدائد أو نكبات إنما هو ابتلاء وزيادة لدرجاته وعلو له في حياته ومماته، فإذا صبر واحتسب فاز بالجزاء الإلهي المرتقب.
ويعرف أنه ما من شدة إلا بعدها فرج، وما من عسر إلا بعده يسر، قال تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
وقال الشاعر:
كم فرج بعد إياس قد أتى
وكم سرور قد أتى بعد الأسى
من يُحسن الظنَّ بذي العرش جنى
حلو الجنى الرائق من شوك السفا |
ولقد كان أخي الحبيب سعد عبدالله المفرح في مرضه الذي ألمَّ به، ورغم شدته، ذا عزيمة وصبر وشكر لله، فأتم الله نعمته عليه بالشفاء، فعاد من مشفاه في ألمانيا إلى أرض الوطن وإلى أحبته يرفل بأثواب الصحة والسعادة. فالحمد لله الذي ألبسك حلل العافية، وفرَّج الكربة، ويسَّر العسر.
كما كان لوقفة شقيقك الدكتور محمد وأسرته الكريمة معك في مرضك أثرها البالغ في نفوسنا جميعاً، فضربوا بذلك المثل الأعلى في التضحية والوفاء.
وختاماً أدعو الله ان يديم عليك الصحة.. فما عرفناك أبا أحمد إلا باذلاً للمعروف محباً للخير واصلاً لقرابتك.
|