عبير.. ابنتي الصغرى، ابنة الخمسة أعوام.. تسألني دائماً وبإلحاح.. (بابا ليش الإسرائيليين دايم يطقون الفلسطينيين) أنا من مدعي الثقافة ولو أن واقع الحال يتعارض مع هذا الادعاء لكنني أحببت هذه الكذبة وأقنعت نفسي بها.. المهم أنه عندما تسألني عبير أي سؤال أعتدل في جلستي بكل تفاخر وأبدأ أشرح لها الأمور التي لم تستطع فهمها مع حرصي على اختيار كلمات اضمن أنها لن تفهمها، وبيني وبينكم لا أجد من أمارس عليه ثقافتي المزعومة سواها والمجال معها يغريني جداً على الفلسفة والتباهي..
قد لا تفهمون حجم السعادة التي أشعر بها وأنا أرى عينيها الصغيرتين تتسعان بنظرات غريبة تؤكد أنها لم تفهم ما أقوله وكم أكون مزهواً وأنا أقول لها عند بدء أي حوار معها... ابنتي أنتِ لا تزالين صغيرة وبكرة تفهمين..
وكأني أفهم فعلاً ما يحدث.. السؤال يتكرر في كل يوم، يمكن تكرار عرض مشاهد الظلم والإذلال الذي يقع على إخواننا الفلسطينيين والتي لا تنفك تبثها القنوات الفضائية يجعل السؤال حاضراً دائماً في ذهنها خصوصاً وأن أباها المثقف لا يعطيها الاجابة الشافية التي تقنع تفكيرها البريء.
على أية حال قررت مواجهة السؤال والموقف مع عبير وأخبرتها أن الإسرائيليين يكرهوننا لهذا يضطهدون إخواننا الفلسطينيين، وتتمادى في تساؤلاتها وتسأل.. ليه يكرهوننا؟ وأخبرها أننا مسلمون وهم غير مسلمين، وتسأل .. (طيب ليه الفلسطينيين ما يطقونهم)..
سؤال سهل!! أجاوبها لان الفلسطينيين لا يملكون القدرة على هذا فميزان القوة والتسلح لصالح الإسرائيليين.. (طيب ليش يا بابا ما نعطيهم سلاح أو نجتمع إحنا المسلمين ونطقهم)... يا ماما المسألة أكبر من أن نعطيهم سلاحاً أو لا نعطيهم ..توجد دول ثانية وسياسات ومجلس أمن وأمم متحدة وتنظيمات عالمية لا يمكن تجاوزها.. أعرف ابنتي.. لا يمكن أن تترك الفرصة دون أن تمطرني بأسئلتها..
(إحنا مسلمين طيب ليه ربي ما يساعدنا)؟... يمكن ربي ما يحبنا..وإلا يا بابا يمكن إحنا خايفين.. طيب ليش خايفين؟ أحاول أجاوبها يا ماما الموضوع.. لكن أسئلتها المتلاحقة لا تترك لي فرصة أو أي مجال للاجابة واحياناً كثيرة أجد أنني عاجز تماماً عن الاجابة.
عبير.. (صكي فمك وروحي لماما بلا صجة بزارين).
وينتهي الحوار معها دائماً بهذا الشكل عندما أشعر أنها غلبتني رغم ثقافتي المزعومة.
|