لماذا تأتي التوصيات المنبثقة عن اللقاءات والحوارات التي تجري عندنا (عامة) لا تقاس وتحتمل أكثر من وجه واحد في مقاصدها وغاياتها؟ ولماذا كلما تساءل أحد عن مثل هذه الأسباب لا تشفي أسئلته أجوبة بل جواب واحد؟ كلنا يعلم أن مخرجات أي عمل أو جهد مبذول تقوم في الدرجة الأولى من حيث نوعها وكيفها على طريقة الإعداد في إيجاد المدخلات أولاً، ولن يكون ذلك كذلك إلا إذا تم حشد الكفاءات الخاصة والمتخصصة في مجال الإعداد وأن تكون تلك الكفاءات مؤهلة وقادرة على الدفاع عن طروحاتها، وفي استطاعتها أن تخوض في ميادين النقاش والحوار منطلقة من وعي كامل بما يلزم ذلك الحوار من أسس علمية وديمقراطية قائمة على احترام الذات واحترام الآخر، وقبوله. ولعل العجز الواضح في الإجابة عن التساؤلات التي تلقي بظلالها على الفعاليات الحوارية مرده إلى عدة أسباب أهمها:
- أن من يقوم بإعداد لائحة الأشخاص المشاركين في الحوار يضعون أنفسهم في مقدمة المشاركين بغض النظر عن استعدادهم التخصصي ومدى ما يملكون من مهارات لإدارة الحوار والمشاركة فيه.
- أن الخطوة التي تلي ذلك أن هؤلاء يرشحون إلى جانبهم معارفهم والمحسوبين عليهم، ولا يضعون في اعتباراتهم أية معايير أو مقاييس ضرورية، التي تؤهل من يشارك في هذا الحوار ليتحمل المسؤولية التي تقع على عاتقه تجاه نفسه والآخرين من حوله، الذين تعنيهم المادة المطروحة في الحوار.
- أن اللجنة التي تعد برنامج الحوار ومواده لا تتعدى في ذلك حدود الإثارة اللفظية، ومع كونها تتصل ظاهرياً بالقضية المقصودة بالحوار، إلا أنها لا تعبر عن جوهر تلك القضية، من أجل ذلك تنصب المداخلات والتعقيبات في مجال ما يمكن تسميته بالمطالب الفئوية والشخصية، وتغيب القضية الأم، كونها لم تتبلور في الأوراق التي بنيت عليها تلك المداخلات.
- أن المشاركين في (الأوراق العلمية) للحوار، ينظرون للقضية المطروحة، ويتخيرون المنهجية العلمية في الطرح، ولا يستقصون كافة أبعادها، ولا تعتمد توصياتها، لأنها توصيات محدودة في موضوع الدراسة.
- أن المشاركين في الحوار يتم استبعادهم عن المشاركة في تنظيم وصياغة الحوار وهو ما من شأنه أن يلغي التواصل الفعلي بين أعضاء اللجان والمشاركين الفعليين للحوار.
مثل هذه الأسباب وغيرها كفيلة إن وجدت أن تضعف مستوى التوصيات، وأن تخفي الكثير من الجهود المضنية التي يبذلها المنظمون والمشاركون، وهو ما قد يؤدي إلى تغييب نسبة كبيرة من الحقائق التي كان يقصد بها ذلك الحوار.
قد تكون التجربة جديدة، وربما أن الخبرات المتوفرة لا تكفي لكي نظهر لمستوى متقدم في هذا المجال، وهذا ليس عيباً، لكن المطلوب منا، أن نتعلم من تجاربنا، وأن نستمع إلى ما يقال فينا وفي طروحاتنا، وأن نبني من كل نقد بناء لبنة جديدة تقوى بها تجربتنا فيرتفع شأنها.
الذي يجب ألا يغيب عن أذهان المشاركين في الحوار منذ ساعاته الأولى وحتى نهايته، أنهم كانوا متابعين في كافة أنحاء العالم، وليس على المستوى المحلي فقط، وهو ما كان حري بهم أن يكون خطابهم ولغتهم على مستوى عالمي يعطي صورة حقيقية للتوجه السعودي نحو الإصلاح والانفتاح.
العجيب الغريب أن كثيراً من هذه الملاحظات غالباً ما تصدر عن أفراد شاركوا في ذلك الحوار.. ولكن بعد أن ينتهوا منه ويحسوا بأنهم خارج نظام دائرة الحرج.. وتاليتها؟!
فاكس: 2051900 |