* الرياض - حازم الشرقاوي:
توقّع تقرير اقتصادي صادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية (الأسكوا) ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي للعام الحالي 2004م إلى 319.779 مليار دولار أمريكي مقابل 310.307 مليارات دولار لعام 2003م، للتطورات الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الاسكوا 2004م. وأشار التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية سوف يرتفع للعام الحالي إلى 177.093 مليار دولار مقابل 173.112 مليار دولار لعام 2003م كما سيرتفع في دولة الإمارات هذا العام إلى 67.141 مليار دولار مقابل 64.558 مليار دولار لعام 2003م وفي الكويت إلى 31.874 مليار دولار مقابل 30.945 مليار دولار. وفي سلطنة عمان إلى 18.899 مليار دولار مقابل 18.243 مليار دولار وفي قطر إلى 15.983 مليار دولار مقابل 15.079 مليار دولار وفي البحرين إلى 8.787 مليارات مقابل 8.368 مليارات دولار وتبعاً للمسح فقد ارتفع النمو الحقيقي العام في بلدان مجلس التعاون الخليجي من 0.4% في عام 2002م إلى 5.8% في عام 2003م، مسبباً توجهاً عكسياً لنمو نصيب الفرد من معدل سلبي قدره 2.5% في عام 2002م إلى معدل إيجابي قدره 2.8 في عام 2003م.
وتحسنت جميع اقتصادات بلدان مجلس التعاون الخليجي نتيجة لارتفاع إنتاج النفط وإيراداته. وعلاوة على ذلك، حققت القطاعات غير النفطية أداءً حسناً في عام 2003م، بدافع من استعادة الثقة وتحسن الآفاق الاقتصادية بعد الحرب القصيرة في العراق. ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في هذا النمو الاستثنائي قوة النفقات العامة، وارتفاع السيولة المحلية، وخفض أسعار الفائدة، مما عزز الاستهلاك والاستثمار المحليين. ما أن تحسن سوق الأوراق المالية، مصحوباً بالارتفاع القوي لأسعار العقارات في بلدان مجلس التعاون الخليجي، أدى إلى عودة رؤوس الأموال من الخارج وارتفاع الطلب المحلي وتشير التقديرات إلى أن قطر حققت أعلى معدل لنمو الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين بلدان مجلس التعاون الخليجي إذ سجلت 5.44%، في حين سجلت عمان أدنى معدل وقدره 0.80% - وبالنسبة الى عام 2004م، يتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي العام في بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى 3% بسبب الانفخاض المتوقع في إنتاج النفط وأسعاره.
وبغية تقليل الاعتماد على النفط، وتدعيم النمو الاقتصادي، وتوليد فرص العمالة للقوى العاملة الوطنية، وينبغي لدول مجلس التعاون الخليجي أن توجه سياساتها نحو تشجيع الاستثمارات ومشاركة القطاع الخاص وتطوير قطاعات غير نفطية ديناميكية وقادرة على المنافسة. بينما يكتسب الاتجاه نحو تنويع الاقتصاد الاقليمي وتحريره مزيدا من الزخم، تواصل منطقة الاسكوا الاعتماد أساسا على إنتاج النفط وإيراداته، حيث تبلغ حصتها من مجموع الإمدادات النفطية العالمية 23% تقريباً.وفي عام 2003م بلغ سعر سلة منظمة البلدان المصدرة للنفط (الأوبك) 28.10 دولارا وهو أعلى متوسط اسمي منذ عام 1984، مع أن القوة الشرائية للبرميل الواحد انخفضت بسبب استمرار تراجع الدولار مقابل اليورو. غير أن زيادة كبيرة في إنتاج النفط بمعدل 6.3% على الإنتاج في عام 2002م سمحت لمعظم البلدان المصدرة للنفط في منطقة الاسكوا جني الثمار من ارتفاع الأسعار، إذ بلغ مجموع إيراداتها من الصادرات النفطية 161 مليار دولار في عام 2003م، أي بزيادة قدرها 22% عن عام 2002م.
وكانت الجمهورية العربية السورية والعراق الاستثناءين الوحيدين حيث انخفضت صادراتها النفطية بسبب تدهور الظروف السياسية والأمنية. ولا تزال الصادرات النفطية العراقية، التي تمثل أساس الانتعاش الاقتصادي في العراق، عرضة للتطورات السياسية والأمنية هناك، وقد انعكست التطورات النفطية بشكل إيجابي على الأوضاع المالية والظروف النقدية في غالبية بلدان مجلس التعاون الخليجي التي سجلت فائضا كبيرا في الحساب الجاري والميزانية، وزيادة في الاحتياطيات الأجنبية.
وقد ساهم توخي الحذر في الشؤون المالية، من خلال التحفظ في توقعات أسعار النفط في ميزانية عام 2003م، في هذه الفوائض المالية الكبيرة. وتبقى الأنظمة الضريبية غير مباشرة في معظمها وتستند إلى معدلات ضريبية غير تصاعدية ولا تميز بين الدخل المنخفض والدخل المرتفع ولتخفيف أثر تقلبات أسعار النفط وتصحيح الخلل المالي، ينبغي لدول الاسكوا التي تعتمد على النفط تصحيح سياساتها المالية بتوجيه نظمها الضريبية نحو المزيد من التطور وتوسيع قاعدتها الضريبية. وبقيت معدلات التضخم معتدلة نسبياً في عام 2003م على الرغم من تدني قيمة الدولار مقابل اليورو، وازدياد أسعار الواردات من منطقة اليورو، مع ثبات ربط العملات الوطنية بالدولار في دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي مصر لم يؤد انخفاض قيمة العملة في عام 2003م إلى زيادة الرقم القياسي للاستهلاك العام بسبب دعم السلع الأساسية، غير أن الرقم القياسي لبيع الجملة سجل ارتفاعا مهما. وفي عام 2003م سجل تضخم الأسعار الاستهلاكية زيادة طفيفة في معظم البلدان باستثناء اليمن والعراق، فتراوح بين 6.0 - في عمان و4.4 في الأراضي الفلسطينية.وفي اليمن قفز التضخم إلى معدل في العشرات بسبب التوسع في السياسة النقدية، وانخفاض سعر الصرف، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفي العراق أدت توقعات تحرير الأسعار وازدياد الطلب بعد الحرب إلى ارتفاع أسعار العقارات مسببة ارتفاعا في معدل التضخم بنسبة 33% تقريبا. وذكر التقرير أن الطلب يتبع على اليد العاملة للنمو الاقتصادي. فانخفاض النمو الاقتصادي والبطء في خلق فرص العمل إلى جانب ارتفاع معدل النمو السكاني ونمو حجم القوى العاملة (بنسبة 2.5% و4.5% بالترتيب) رفعا معدل البطالة الإجمالي إلى 16% في منطقة الاسكوا.
والأسوأ من ذلك أن ارتفاع نسبة الشباب بين سكان المنطقة جعل معدل البطالة بين الشباب (من الفئة العمرية 15-24) يتراوح بين 25 و30% تقريبا.
وعلى أي حال يصعب الحصول على إحصاءات عن البطالة في المنطقة. وإذا ما احتسب معدل الإعالة، قد يبلغ المتوسط الحقيقي لمعدل البطالة مستوى أعلى حتى ولو استثنى العراق وفلسطين. وتخفي المتوسطات الاقليمية تباينا كبيرا في معدلات البطالة بين مختلف اقتصادات منطقة الاسكوا (ولاسيما بين اقتصادات البلدان المنتجة للنفط واقتصادات البلدان غير المنتجة للنفط). فمعدلات البطالة الوطنية في اقتصادات مجلس التعاون الخليجي تبلغ نصف متوسط البطالة في البلدان الأخرى. والسبب الرئيسي في ذلك هو أن القطاع العام خلال فترة الطفرة النفطية، استوعب عددا كبيرا من المواطنين في وظائف دائمة. كما أن خلق فرص العمل عن طريق توسيع العمالة الحكومية كان مفيدا أحيانا ويمكن أن يكون قد عزز رفاهية منطقة الاسكوا، باعتباره عامل استقرار شبه تلقائي، ولكنه في الوقت نفسه يسحب من أموال الاستثمار المحتملة بتحويل الموارد إلى الاستهلاك العام. وبسبب ضعف النمو الاقتصادي وتصاعد القيود المالية، لا يكفي معدل التوسع الحالي في العمالة العامة لتخفيض المعدل المرتفع للوافدين الجدد إلى سوق العمل. والوضع الآن هو أن معدلات البطالة بين المواطنين المتعلمين في ارتفاع في المملكة العربية السعودية. واشار التقرير إلى أنه من شأن الفجوة الهائلة في توزيع الدخل والتي هي الأكبر في العالم. والفارق الشاسع في الأجور بين المواطنين وغير المواطنين، أن يكبحا الطلب الاقليمي وأن يعوقا تراكم رأس المال. ومن الأهمية بمكان مسألة استقرار العمال الأجانب في منطقة الخليج حيث يؤدي تعذر الاستعاضة عن القوى العاملة الأجنبية بقوى عاملة محلية الى إنتاجية منخفضة من جهة، وتسرب كبير في تحويلات العمال إلى الخارج من جهة أخرى.
ومن التدابير الإصلاحية الأساسية التي لم تعتمد بعد سياسات إعادة توزيع الضرائب والحماية الاجتماعية والسياسية لجميع العمال من خلال اتفاق بين الدولة والقطاع الصناعي والمنظمات العمالية. ويوضح أنه وقبل إصلاحات سوق العمل تحتاج المنطقة إلى رفع معدلات النمو ووضع خطة اجتماعية لصالح عمالة النساء والشباب. وتتمتع المنطقة بموارد وافرة، وإذا استثمرت هذه الموارد في مجالات تولد فرص العمل، فلن تستغرق إلا القليل من الوقت قبل أن يحدث تخفيض في معدل البطالة، على الرغم من ارتفاع معدل النمو السكاني الكامن وراءها وفي العقد المقبل ستحتاج منطقة الاسكوا إلى خلق نحو 35 مليون فرصة عمل جديدة لتخفيف عبء البطالة. وهذا يتطلب إلى حد ما زيادة فورية ودائمة في معدلات نمو الاقتصاد بنسبة تتراوح بين 6 و8% سنويا. وهذه المعدلات يمكن تحقيقها بالحفاظ على الموارد وإعادة توظيف المدخرات والاستفادة من أن نمو السكان النشطين اقتصاديا سيتجاوز نمو السكان المعالين بقدر أكبر منه في أي منطقة أخرى.وقد دعم الانتعاش الذي شهده الاقتصاد العالمي مؤخرا وقوة الطلب على النفط والغاز في منطقة الاسكوا أنشطة التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر على السواء. وفي عام 2003م تواصلت الإصلاحات المؤسسية وإصلاحات السياسة العامة في مجالي التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر. وأصبح إطار هذه الإجراءات على مستوى السياسة العامة ثنائياً أو متعدد الأطراف أكثر فأكثر. وهذا الاتجاه برز في تحضيرات المملكة العربية السعودية للانضمام إلى منظمة التجارة الحرة العربية الكبرى. ومع إنهاء العقوبات الاقتصادية على العراق أصبح البلد مجددا على مسار علاقات اقتصادية دولية طبيعية أكثر. ولكن مؤشرات إعادة احياء الأنشطة التجارية والاستثمارية في أنحاء العراق كانت ضئيلة بسبب اضطراب الوضع الأمني. وما يثير القلق بشكل خاص هو التحرير شبه الكامل للواردات إلى العراق وأثرها على الانتاج الصناعي والعمالة الضعيفين. وبالفعل تمثل الخطة الاقتصادية القائمة على الحرية الاقتصادية، والتي تفرض على العراق في غياب الإطار المؤسسي الملائم والقبول العام، البند الأكثر إلحاحاً على جدول أعمال المنطقة الاقتصادي وإضافة إلى ذلك يواصل الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية تقييد أنشطة الاستيراد والتصدير عند مستوى منخفض للغاية للعام الثالث على التوالي وأشارت التقديرات إلى أن مجموع القيمة الإجمالية لصادرات بلدان الاسكوا من البضائع، في عام 2003م بلغ 228 مليار دولار، بينما بلغ مجموع قيمة الواردات من البضائع 145 مليار دولار.
وكان مصدر 88% من هذه الصادرات بلدان مجلس التعاون الخليجي التي بلغت حصتها أيضا 72% من جميع الواردات. وعلى الرغم من استمرار الجهود الإنمائية التي تبذلها غالبية البلدان الأعضاء لتنويع السلع القابلة للتصدير، ارتفعت نسبة النفط الخام والغاز والمنتجات ذات الصلة في عام 2003م. ومع أن هذه الملاحظة اعتيادية في عام طفرة إنتاج النفط، فإن ازدياد صادرات الطاقة لم يقتصر على بلدان مجلس التعاون الخليجي المصدرة الرئيسية للنفط والعراق، بل شمل الجمهورية العربية السورية ومصر واليمن وازداد مجموع الصادرات الإجمالي في منطقة الاسكوا بنسبة 17.2% مقارنة بمعدل عام 2002م. وأشارت التقديرات إلى زيادة سنوية كبيرة في قيمة الصادرات بلغت 21.2% في بلدان مجلس التعاون الخليجي، مردها ازدياد الصادرات من الطاقة. وفي المقابل انخفض مجموع الصادرات الإجمالية من البلدان ذات الاقتصادات الأكثر تنوعا بنسبة 4.7%.وكان تدمير قدرة الصادرات النفطية وبطء انتعاشها في العراق، وسرعة انتعاش التجارة البينية مع العراق التي كانت دون المتوقع، واستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، عوامل ساهمت في انخفاض الصادرات من هذه المجموعة. غير أن مجموع الصادرات من مصر واليمن سجل زيادة كبيرة بسبب تخفيض قيمة العملة وتوسع قطاعات الطاقة. وازداد مجموع الواردات الإجمالية في منطقة الاسكوا بنسبة 9.3% مقارنة بعام 2002م. فتوسع الطلب المحلي، نتيجة لأثر ازدياد إنتاج النفط وتوسع الائتمان المحلي معاً، ما دفع قيمة واردات بلدان مجلس التعاون الخليجي لعام 2003م نحو الارتفاع بنسبة 15.4%. وانخفض مجموع واردات البلدان ذات الاقتصادات الأكثر تنوعا بنسبة 3.8% بسبب انخفاض واردات العراق ومصر.
|