Wednesday 21st July,200411619العددالاربعاء 4 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

التوصيف والتقييس في الشؤون الإسلامية التوصيف والتقييس في الشؤون الإسلامية
د.إبراهيم بن صالح العمر

من المؤكد أن المهمات والخدمات التي تقوم وزارة الشؤون الإسلامية على تنفيذها والقيام بها أو بالإشراف على ذلك من أجلِّ المهام وأهمها وأكثرها على الإطلاق قرباً من المواطن والمستفيد.
إذ تنفرد الوزارة بمهمة التخطيط والتنفيذ والإشراف والمتابعة على الأهم في حياتنا ألا وهو الجانب التعبدي الذي نصحو معه وننام عليه، نبتدئ حياتنا اليومية معه وننهيها عليه، نحتاجه في حلنا كما الترحال.
يستوي في ذلك الرجل منا والمرأة، والصغير والكبير، كما المواطن والمقيم، أداءً للصلوات الخمس، وسماعاً لخطب الجمعة والمحاضرات والندوات، وقراءة للكتب والمنشورات، وتطبيقاً فردياً وجماعياً للفتوى والدرس العلمي العام والخاص.
هذا التنوع في المهام والتعدد في الخدمات يعكس إلى حد ما حجم المسؤوليات الملقاة على القائمين على الشأن الإسلامي، مما يتطلب معه تضافر الجهود، ورص الصفوف في سبيل أدء الرسالة العظيمة التي يشترك فيها الجميع رفعاً لأداء حق الشأن الإسلامي العظيم الذي يأتي في مقدم اهتمامات الجميع، وتحسيناً لكفاءة الأداء وزيادةً في فعالية الإنتاجية.
فإذا تم قصر الحديث عن هذه المهام بشأن المسجد على سبيل المثال لقصد التبسيط فإن ثمة عملاً كبيراً ينبغي القيام به من قبل الوزارة للوصول للغاية المنشودة.
فالمساجد في بلادنا تتباين فيما بينها تبايناً كبيراً في مستوى عمرانها بين مساجد - وإن كانت الأقل - غاية في حسن التصميم قد استوفت كل الشروط الهندسية والتصاميم العمرانية والنواحي الجمالية والقضايا البيئية لتؤدي دورها كاملاً غير منقوص، ولتغدو واجهة حضارية مشرقة تعكس مدى اهتمام البلد حكومةً وشعباً في المسجد وشأنه، وبين مساجد يغلب على إنشائها العفوية وعدم التخطيط البيئي والهندسي والعمراني، تخلو من أبسط وسائل السلامة التي يجب أخذها في الحسبان لاستضافة الأعداد الكبيرة دفعة واحدة، أشبه بالصنادق الخرسانية، أفران في الصيف برادات في الشتاء، وهل عندنا إلا صيف وشتاء، لم يأخذ في تصميمها الاعتبارات البيئية، مما يجعلها ذات تكاليف تشغيلية وصيانية عالية غالباً على كاهل الوزارة، تتحمل عبء تقصيرها في فرض مقاييس ومواصفات مناسبة لبيوت الله، كما التقصير في التنفيذ والبناء.
حتى إذا انتهى البناء ظهرت العشوائية في شكل آخر في مستوى التشغيل من إضاءة وتكييف، وأنظمة صوتية متباينة لا تخضع لأي مقاييس حضارية وعلمية.
فهذه مساجد قد رصت رصاً بأجهزة التكييف عالية التكاليف التشغيلية، ترتعد فرائص المصلين وأجسامهم برداً، وترتفع فاتورة الكهرباء استهلاكاً، بينما الأخرى على النقيض تماماً، حرٌ في الصيف وبردٌ في الشتاء.
مثل هذا قله في الإنارة الداخلية منها والخارجية.
كذلك الأمر في أجهزة تضخيم الصوت وتحسينه التي قلما يخلو منها مسجد من المساجد، وأمام انعدام التوصيف والتقييس من وزارة الشؤون الإسلامية، تعدت هدفها لإيصال الصوت للصفوف الخلفية إلى التنغيم المبالغ فيه والتحسين الصوتي المخل بالخشوع والطمأنينة، ناهيك عن مستوى الصوت وتضخيمه الذي يصل في كثير من الحالات إلى الإيذاء بالتلاوة نتيجة للمبالغة برفع صوت المكبرات الداخلية وتعمد بعض الأئمة لإلزاق أفواههم بناقلات الصوت من أجل المبالغة في رفع الصوت وتضخيمه ليكون الخشوع وحضور القلب في الصلاة آخر الحاضرين بسبب غياب وضع ضوابط ومقاييس محددة مبنية على أسس علمية وهندسية لمستوى الصوت ونوعه ونوع الأجهزة المستخدمة.
فإذا قدر لك ألا تتوضأ في بيتك أو أدركتك الصلاة وأنت تسير في الطريق في المدينة أو خارجها مسافراً فاحتجت للذهاب خلف المسجد لدورات المياه وجدت في كثير من الحالات ثمرة انعدام التوصيف والتقييس والرقابة على تنفيذها في شكل دورات غير صحية ولا نظيفة تزكمك بالروائح الكريهة والمناظر غير اللائقة بالمنشآت العامة في هذا البلد ناهيك عن كونها بيوت الله، وبيوت الله أحق بالرعاية والاهتمام.
هذه الرعاية والاهتمام لا يتطلبان الإشراف المباشر بقدر ما يتطلبان وضع مواصفات ومقاييس محددة ومربوطة بالرمز الوطني للبناء لبناء وإنشاء المساجد عن طريق دعوة المكاتب الاستشارية للمساهمة في ذلك ثم الإلزام بإنشاء المساجد وتشييدها بناء على هذه المواصفات والمقاييس.
كما يتطلب قصر إنشاء المساجد على المقاولين المصنفين من الدرجة المناسبة للمواصفات والمقاييس الموضوعة مسبقاً.
هذه الإجراءات وإن كانت سترفع من تكاليف إنشاء المساجد على المدى القصير إلا أنها ستعمل على إيجاد وفورات كبيرة في الأموال العامة والخاصة على المدى المتوسط والطويل، ناهيك عن المستوى اللائق لبيوت الله.
مثل ذلك يمكن قوله في الأئمة خصوصاً خطباء الجمعة، أمام اقتصار دور الوزارة على اختبارات التعيين، دون وضع المواصفات والشروط اللازمة لخطبة الجمعة الكفيلة بأداء دورها الريادي في إعلام الأمة وتعليمها وبث الوعي فيها وتثقيفها وتهيئة سبل تحقيق ذلك ومتابعة تنفيذه.
فالخطبة الجمعية التي فرض الله على المسلم الإنصات لها وترك المهم من أمور المعاش من أجلها حري أن تعطى حقها من الرعاية والاهتمام، وهو ما نجده من القلة من خطبائنا بدوافع ذاتية وبمهارات شخصية.
ما أحوج الأمة للخطيب الفهم الفطن الذي يعرف حق الخطبة ليجدها فرصة سانحة ليعرض عليهم كل أسبوع عقله وثقافته متابعاً بهما حاجة الناس في ربطهم بالله تعالى والتوجه لمعالي الأمور والاستعلاء على الصغائر، والتفتيش عن الأسباب الحقيقية لمعاناة الفرد والمجتمع ومحاولة بذل الجهد والوسع والطاقة في فهم كنه أدواء المجتمع واستغلال الخطبة الجمعية كفرصة عظيمة للمساهمة في حلها لتكون الجمعة وخطبتها قريبة من النفوس والقلوب تتحسس حاجاتهم، وتفي بتطلعاتهم وآمالهم.
هذا النوع من الخطباء وأمام انعدام التوصيف والتقييس يندر وجوده في مقابل كثير غابت عن خطبهم المعاني العظيمة للخطبة الجمعية وليقتصر دور كثيرين على سحب مستلات من خطب قديمة ليقتصر دورهم على قراءتها فوق المنبر على إثرها تحتال الخطبة الجمعية لتصبح في حق الكثير أئمة ومأمومين أداءً لعزيمة يخرج المصلي منها كما دخل.
كم هو هدر لهذه الفريضة العظيمة التي أنيطت مهمة الإشراف عليها لوزارة الشؤون الإسلامية لترى خطباء يختزلون هذه الفريضة في شرح أحكام فقهية بدهية تدرس تفصيلاً في المرحلة الابتدائية في حمأة معاناة الأمة من غلو الصديق وإرهاب العدو ومظاهر الانحطاط السلوكي والأخلاقي لدى بعض شبابنا في مشهد من انعدام فقه الأولويات لدى خطيب اعتبر الخطابة وظيفة لا مهنة، وعادة لا عبادة.
إن انعدام التوصيف بحق الخطبة والخطيب، والمتابعة الدائمين للمستوى المقبول من الخطبة، والاقتصار في عزل الخطباء وإبعادهم على الملاحظات غير المرتبطة بمستوى الأداء يضعف من حماس الأئمة والخطباء للارتقاء بمستوى خطبهم، وكم شاهدنا من خطيب مفوه يخبو صيته ويضعف مستوى خطبه لتصبح مكررة معادة منعزلة عن واقع المصلين كلما ازدادت أيام بقائه على المنبر بدلاً من أن تزيده هذه خبرة وإدراكاً بحاجة جمهوره ومصليه.
ماذا لو أتى تكليف أئمة الجوامع والخطباء بالعمل ليس مدى الحياة بل مدة زمنية معينة كأربع أو خمس سنين يخضع تجديدها لمدى فاعليته ونجاحه في أداء رسالته المنوطة به؟ بكل تأكيد سيكون الحال أفضل وأجدى مع توفير سبل الارتقاء بالخطيب والخطبة.
وبكل تأكيد فإن وزارة الشؤون الإسلامية لا تنقصها الإمكانيات ولا الكفاءات اللازمة للارتقاء بهذه الشعيرة العظيمة كالتوصيف الجيد للخطب المنبرية، والتدريب على المهارات الخطابية، وتأمين المستلزمات التي تعين الخطباء، وزيادة مستوى الاتصال وكفاءته، واستخدام تقنية الاتصال عن طريق الانترنت لزيادة فاعلية الاتصال مع الخطباء، بما في ذلك تخصيص موقع خاص بهم لتوفير الدعم العلمي والمهاري لزيادة فاعلية خطبة الجمعة.
إن التوصيف والتقييس لشؤون المسجد ووضع معايير محددة وواضحة لجوانبه المتعددة سواء منها ما يتعلق بالبناء والتشييد أو بالتشغيل والصيانة أو بمستوى أداء الأئمة والخطباء ينبغي أن يحظى بالأولوية من قبل وزارة الشؤون الإسلامية حداً للهدر في موارد الأمة المادية والبشرية، ورفعاً لكفاءة الدور الذي يقوم به بيت الله في مجتمعنا السوي، علَّ الله أن يسدد الخطى وأن يبارك في الجهد والعمل.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved