في مثل هذا اليوم من عام 1828 بدأ تاريخ الصحافة في مصر عندما أصدر (محمد علي) والي مصر أمره سنة 1827 بإصدار (جرنال الخديوي). وقد كان في الواقع يهدف إلى إصدار نشرة خاصة ليطلع على شؤون البلاد وماليتها.
ولكنه لم يلبث أن لمس حاجة الشعب للإطلاع على أعمال الحكومة، فأمر بتوسيع نطاق (جرنال الخديوي) الذي تحوّل إلى صحيفة (الوقائع المصرية) اعتباراً من عام 1828، وكانت تُوزّع على من يسدد الاشتراك من موظفي الحكومة. وتلا ذلك ظهور (الجريدة العسكرية) عام 1833م.
وتعتبر صحف تلك الفترة بمثابة نشرات رسمية حيث وُلدت صحافة مصر في كنف الحكام ونمت بسلطانهم وخضعت لتوجيهاتهم إلى أن ظهرت الصحافة الشعبية في عهد سعيد باشا (1854- 1863) الذي سعى إلى التقرب من قلوب المصريين.
بعد خروج الفرنسيين قام محمد علي باشا الكبير بشراء مطبعة يوحنا مرسال وحسنها وزاد عليها وهكذا أسس عام 1822م مطبعة بولاق الشهيرة ثم في عام 1828م أسس جريدة الوقائع المصرية التي جعلها لسان حال الحكومة وإذاعة إعلاناتها وسائر الحوادث الرسمية، ولا تزال باقية وفوض لإدارتها وتحريرها رفاعة بك الطهطاوي.
تولى (رياض) باشا رئاسة الوزارة في مطلع عهد الخديوي (توفيق)، وجدَّ في تنظيم شؤون الدولة، وتشجيع الحركة الأدبية، واتجه - فيما اتجه - إلى إصلاح جريدة (الوقائع المصرية)، وعهد بهذه المهمة في سنة (1297ه- 1880م) إلى (محمد عبده)، الذي ضمَّ إليه عدداً من الكُتَّاب؛ ليعاونوه في تحرير الجريدة، مثل: (سعد زغلول)، والشيخ (عبد الكريم سلمان)، و(إبراهيم الهلباوي).
واستطاع الشيخ (محمد عبده) أن يبعث في الجريدة روحاً جديدة وثَّابةً، فنادت الجريدة إلى رفع مستوى الأمة وتقويم أخلاقها، والنهوض بها نهضةً اجتماعيةً في تدرج وأناة.
ومكث الشيخ (محمد عبده) في هذا العمل نحو ثمانية عشر شهراً، نجح أثناءها في أن يجعل من الجريدة رقابةً على المصالح الحكومية، ومنبراً للدعوة إلى الإصلاح، وإسماع الحكومة ما تُريد أن تسمعه وما لا تريد أن تسمعه، وقال على صفحاتها كل ما يمكن أن يقوله لو تكلم في حلقات الأزهر أو في حجرات الدراسة بدار العلوم، ودعا في مقالاته إلى العناية بأمر التربية والتعليم، ونَقْدِ العادات السيئة، واحترام القوانين وإطاعتها.
|