حدثني الأخ عبدالعزيز المرجان من أهالي مدينة حائل وهو من الرجال الثقات في رواياتهم الذين يعتمد عليهم في مثل ذلك قائلاً: عندما كانت الامور يشوبها شيء من الفوضى وعدم الاستقرار ويعتمد الفرد أي فرد على مايناله بيمينه عن طريق القوة لايهمه في ذلك محق او غير محق المهم ان يكسب من ماله أخصامه مايسد حاجته او يزيد عنها.
وكان فعل ذلك يمجد ويحسب له الف حساب عند الآخرين ويطلق عليه شجاعا مقداما لانه يستطيع ان يكسب قوته بيمينه لا بيمين غيره من الناس ففي تلك الفترة كان أحدهم يتنقل من مكان لآخر تأهباً للسطو على ماشية أناس يعتبرهم هم أعداء له ولقبيلته.
وفي هذه الحالة يجوز له الكسب من ماشيتهم قدر استطاعته وباي طريقة يراها حسب ماتمليه الاعراف القبلية حينذاك وقد كان له ذلك حيث سطا على قطيع من الإبل واستاق ماحصل عليه بحوزته امامه وعبر بها طريقاً رأي فيه سلامته ومابحوزته واستمر في طريقه هذا لتسع ليال بأيامها لم يتناول خلالها مايفطر الصائم كما يقولون حتى انه بدا عليه الارهاق اثر ذلك الجوع وفكر في نحر احدى إبله لسد حاجته من الطعام اذا لم يصل هذه الليلة وما انبلج الصباح حتى وصل لارض أهله بالسكان وكان يواليه منزل في سفح أحد الجبال الشاهقة لا أريد ذكر اسمه فأناخ الإبل وعقلها ذهب للمنزل الذي وجد بابه مشرعاً على مصراعيه فأطل بنفسه وتكلم بصوت مسموع ودلف لداخل المنزل عن حسن نية جريا على العادة عند البادية اذ يكتفي الوافد على اي منزل بندب صاحب المنزل بكلمة يا أهل البيت ويدخل وعندما دخل صاحبنا الذي لم يؤذن له بالدخول واذا به يرى صاحبة المنزل تقوم بإصلاح شيء من الخبز في تنور أرضي وضع داخل فناء المنزل فتقدم نحوها لا لشيء الا الحصول على الخبز فغضبت صاحبة المنزل من الرجل ولطمته على وجهه بحذائها فارتد عنها وأعاد ادراجه للجبل المحيط بالمنزل واختبأ فيه وصار يرقب تحركاتها من ذلك الموقع حتى ينطلق في غفلة منها للخبز ويأخذ منه مايسد فاقته.
أما هي فعندما انتهت من اصلاح الخبز تناولت وعاء بجانبها وذهبت لبئر قريبة من المنزل لتزود بالماء وانطلق صحابنا حين خروجها وتناول الخبز وأخذ مايكفيه ويشبع نهمه وأراد ان يعود لابله واذا به يحس بعودتها من البئر فخشى ان تراه فدخل في احدى الغرف المجاورة لباب دخول المنزل وجلس فيها يلتهم خبزه ويتحين فرصة غفلتها لكي يلحق بابله وماهي الا لحظات حتى دلف على صاحبة المنزل رجل استقبلته استقبالا حارا وظن صاحبنا انه صاحب المنزل أتى من غيبة طويلة غير ان ذلك الظن لم يدم اذ اقبل رجل آخر يمتطي صهوة فرس كان وقع حوافرها منبها لهما ومنذرا بالخطر وما ان سمع الرجل والمرأة وقع حوافر الفرس حتى لاذ بالفرار واتجه للغرفة التي يختبىء فيها صاحبنا ولاذ في أحد أركانها دون ان يرى من فيها لان هذه الغرفة بمثابة مستودع مملوء بالعفش ولايوجد بها أي اضاءة اذ لا نوافذ لها ووصل صاحب المنزل وترجل من فرسه واتجه للفراش الذي بجانب التنور وجلس برهة من الوقت لاتصل لدقيقتين واتجه تحت الغرفة حتى وصل وأمسك بالرجل الاخير او الغادر واتجه به للتنور وسل سيفه وقتله وألحق به المرأة وجلس وقال أنت يارجل الذي بالغرفة اخرج لن يصيبك أي أذى فأنت ضيف يحق لك الاكرام لا الاعدام فخرج صاحبنا واتجه اليه واجلسه بجانبه وقام بإكرامه كما ينبغي وقال صاحب المنزل حتى تكون على بينة من أمر ماحدث فإن هذه زوجتي وهذا خدينها وقد شككت بأمرهما واردت أن اتحقق بنفسي وابلغتها انني مسافر لمدة سبعة ايام وذهبت منها ليلة البارحة واختفيت بالجبل في موضع يكشف مابداخل المنزل وماحوله وقد رأيتك وأنت تدخل لأول مرة وشاهدت مافعلت بك ومافعلته أنت ثانياً وماكان من استقبال لهذا الخائن وحيث تحقق لي ماشككت فيه فقد قمت بواجبي وأنت شاهد أعياني وسأدعو أهل الطرفين ليروا ماحدث، أما أنت فإنك بحمايتي وإبلك، حتى تصل للبلد الذي قصدته. وقد تم ذلك وافترق الطرفان وبقيت هذه الحادثة روايةً يتناقلها الناس قابلةً للزيادة والنقصان.
حكايات من الماضي لمحمد بن زبن بن عمير |