كتبت الأخت الكريمة فوزية النعيم في عدد الجزيرة 11446 وتاريخ 8 من ذي الحجة 1424هـ على صفحة الرأي موضوعا كان بعنوان (ومن يصنع المعروف) وعندما قرأت الموضوع أحسست بأن الأخت فوزية كتبته بيأس وإحباط وفقدان أمل وشعرت أيضا بأن الكاتبة قد مرت بمواقف عديدة سلبية وتجارب فاشلة مع أناس لا يقدرون حجم المعروف الذي أسدي لهم.. وبصراحة أرى أن هذا الموقف طبيعي وأن مثل هذه الأمور تحدث فوق كل أرض وتحت كل سماء وفي أي زمان ومكان وطالما وجد الانسان من بعض الأشخاص.. ولتعلمي أختي العزيزة بأن الناس مشارب ومعادن فمنهم الذهب ومنهم الفضة والنحاس وكل إناء بما فيه ينضح، فهناك الكريم والبخيل والوفي وناكر الجميل وهناك اللئيم. كما أن هناك من يرد المعروف بأحسن منه.. وهذه طبيعة الخلق والحياة منذ قديم الأزل ومنذ بدء الخليقة بداية من إبليس لعنه الله ونهاية بما لا يعلمه إلا الله.. وكل هذه الأمور تعود إلى تربية وتنشئة أسرية واجتماعية وأشياء أخرى كثيرة تتحكم في سلوك وتصرفات وشخصية وطبائع الأفراد.. سواء أكانت هذه التربية والتنشئة حسنة أم سيئة.. وحتى البيئة أختي الكريمة التي يعيش فيها الشخص يمكن أن تؤثر على سلوكه أوَليست البيئة هي من جعلت ذلك الشاعر يقول:
وما أنا إلا من غزّية ان غزت غزيت
وان ترشد غزية أرشد |
عموما عزيزتي هؤلاء هم الناس وهؤلاء هم البشر إذا أردت ان تعيشي معهم لا بد أن تكتوي بنارهم بين الفينة والأخرى.. ولكن مهما حصل أختي فوزية لا يجب أن نحبط أو يتملكنا اليأس أو نصاب بخيبة الأمل أو نفقده في محاولة اصلاح الآخر.. فالخير باق في الأمة الى يوم القيامة ولأن يهدي بك الله رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس، وتأكدي بأنك لن تعدمي أجر المعروف أبداً وخصوصا انك مسلمة وما يهمك أولاً وأخيرا ثواب المولى سبحانه وتعالى وليس الناس.. ولو عملت خيراً أو أسديت معروفا لكل شخص وانتظرت عليه الشكر والعرفان فلن تفعلي الخير بعد ذلك لأي إنسان ولن تقدمي معروفا لكائن كان لأنك في هذه الحالة ستنظرين ماذا سيعود عليك مسبقا من وراء عملك أو فعلك ذلك فإن شعرت بأن ذلك الانسان سيرد على معروفك بمثله أو بأحسن منه أقدمت وان شعرت ان معروفك سيذهب أدراج الرياح وهباء منثورا امتنعت.. أليس كذلك؟ وهذا الأمر أختي الفاضلة ليس من شيم المسلم أو المسلمة فديننا الحنيف يقول أعط من حرمك، وصل من قطعك، واعف عن من ظلمك..من هنا يتضح أن المسلم يفعل الخير ولا ينتظر الجزاء من الناس أو المكافأة المجزية في الدنيا المؤقتة.. ولكنه يفعل الخير أولا تنفيذاً لتوجيهات مولاه ورسوله وثانيا لزيادة رصيده في الدار الآخرة والفوز بإذن الله بنعيمه ورضوانه.. صحيح أن الانسان يريد بعض كلمات الشكر والعرفان ورد الجميل وهذه طبيعة حتى ترتفع معنوياته ويستمر في العطاء ولكن لو لم يحصل ذلك من بعض الناس هل نقف عن العطاء وفعل الخير وهل نجعل اليأس يغلّف حرياتنا واليأس يحطّمها إذن لانعدم الخير بين كل البشر واصبح قانون الغاب هو السائد. ولم يعد البقاء للأصلح بل للأقوى وهذه بألتاكيد كارثة ألست معي في ذلك؟ بالتأكيد أختي الفاضلة لنا في قصص الغابرين الأولين عظيم العظة والعبرة والفائدة.. وتعرفين ونعرف موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الذين رجموه حتى أدموا قدمه.. وكيف ردّ عليهم وماذا تمنى لهم.. كذلك تعامله مع اليهودي وموقفه صلى الله عليه وسلم من الأعرابي الذي جر رداءه حتى كاد أن يدميه.. وموقفه من وحشي قاتل عمّه أسد الله حمزة وأخيراً موقفه صلى الله عليه وسلم من ألدّ أعدائه عندما دخل مكة فاتحا فهذه كلها دروس وعبر وفوائد عظيمة وهي نبراس لنا وفي علاقاتنا مع بعضنا البعض، أيضا أذكرك بقصة تلك الجارية التي سقطت أمام السلطان وأسقطت كل ما في يديها عليه فغضب غضبا شديدا فبادرته قائلة: والكاظمين الغيط. قال: كظمت غيظي، قالت: والعافين عن الناس. قال: عفوت عنك، قالت والله يحب المحسنين. قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله.. وما هذا إلا غيض من فيض من القصص العظيمة التي يحثنا عليها ديننا الحنيف وهي على سبيل المثال لا الحصر.. تقولين أختي الكريمة ومن يصنع المعروف في غير أهله يكن حمده ذماً عليه ويندم وأقول لك هذا صحيح ولكن لمن يطلب الدنيا فقط.. وتعرفين أن الآخر قال: من يفعل المعروف لا يعدم جوازيه ما ضاع عرف بين الله والناس.. إذن كلٌّ ينظر لهذا الأمر من خلال نظرته الشخصية وظروفه ومن خلال لون النظارة التي يلبسها.. وفي كل الأحوال والمواقف لا يجب أبداً أن نأخذ ما يوافق أهواءنا ورغباتنا الشخصية فقط ونرمي بالباقي عرض الحائط الذي ربما توافق أيضا مع رغبات الآخرين..
يقول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}.. تأملي ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. ولو لم يكن الصبر محمودة عواقبه لما جعل له المولى جزاء إلا الجنة.. وقال صلى الله عليه وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن).. ولم يقل عليه السلام بعض الناس.. وإنما جميعهم الحسن منهم والسيىء.. وصدقيني أختي فوزية لو فعلت الخير مع شخص يسيء إليك دائماً فإنك لن تخرجي عن أحد أمرين: إما أن تستميلي قلبه ويعرف أنه مخطئ واما أن تكوني كمن يسفّه الملّ (الرماد الحار) وفي كلتا الحالتين أنت الرابحة بإذن الله.
وفي الختام.. هل أنت من المؤيدين لأن نسير على هذه القاعدة في حياتنا؟..
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يُهدم
ومن لا يظلم الناس يُظلمِ.. |
عبدالرحمن عقيل حمود المساوى / اخصائي اجتماعي - الرياض |