الأب راعي بناته
يقول مثل هندي سائر:
(إذا نفذ الملح عرفت قيمته وتعرف قيمة الأب بعد موته).
وهذا مثل يوجز بعبارة بليغة شأن الأب ووظيفته في الأسرة وان هذا الشأن الرفيع الملتصق بالأب ليس سببه ان الأب انما ينتمي إلى (الجنس القوي) بدليل ان بعض الوالدين قد يسلكون في التربية سلوكاً ضعيفاً جداً نحو اولادهم وكم من والدة تضطر إلى ممارسة الشدة نحو الأولاد عوضاً عن زوجها الضعيف الشخصية.
لكن وظيفة الوالد او (وهرة) الوالدة كما نقول عامة انما سببها اجتماعي في معظم الاحوال، فمما لا شك فيه حتى في العصر الحاضر ان الاولاد يرون امهم ويخالطون امهم اكثر من ابيهم الغائب عن البيت طول النهار.
ولذلك جاء في مثل اغريقي قديم انه من العسير جدا ان يكذب الانسان على امه، فهي من كثرة المخالطة أو المعاشرة واقفة لابنها بالمرصاد ان جاز هذا التعبير.
والوالد يظهر دوماً في نظر الاولاد كالبطل المغوار وأول العباقرة والجهابذة في كل الأمور، بدليل ما يقول الأولاد فيما بينهم وقت المجادلات والمناقشات في المدرسة والشارع وساحات اللعب، حيث تسمع كل واحد منهم يحسم النزاع بهذه الكلمة (أبي قال لي كذا وكذا. أو أبي أكد لي كذا..) حتى كأن الولد يتخذ اباه مرجعاً وحجة لا جدال فيها، فهو في نظره معصوم عن الغلط، (وإذا قال ابي فصدقوه لأن القول ما قال أبي)..
وان كان شأن الأب هذا يتسم بهذه الصفة الرفيعة في نظر الأولاد قاطبة، إلا انه في نظر البنات أعلى وأرفع أيضاً فالبنت أول من ترى من الرجال انما ترى أباها، فتجد فيه الملجأ المنيع والحصن الذي تلوذ به، وبهذا المعنى قال الاخلاقي الفرنسي (داسييه) في القرن الماضي ان الاب (راعي بناته).
والمثل العربي أيضاً قد قال ان (كل ابنة بأبيها معجبة).
وان كانت لهذه المعتقدات كلها خلاصة فهي ان وظيفة الأب في الأسرة وظيفة رفيعة وان تأثيره على سلوك أولاده ولا سيما بناته ضخم جسيم.
وحتى ان لم تسلم بنظريات المحلل النفساني الشهير، (فرويد) القائل بوجود صلة جنسية في المنطقة غير الواعية من النفس بين الأب وبناته، إلا ان الأمر الملحوظ بالاختبار هو استعداد البنات للانقياد لايعازات الأب ومطاوعة ارشاداته أكثر من مطاوعات ارشادات الأم.
فعلى الأب ان يستخدم هذا الاستعداد الطبيعي الغريزي لتوجيه بناته في شتى مراحل اعمارهن، في المسالك الحسنة الحميدة.
وعلى عكس هذه الصلة الطبيعية بين الأب وبنته، نرى صلة خاصة بين الأم وابنها، واعم تفسير نفساني لها هو ان الأم تنسب إلى ابنها كل الصفات التي كانت تود لو تراها متجسمة في زوجها، وليست عقدة (ايديب) الشهيرة سوى حالة مرضية متطرفة لهذه الغريزة الثابتة بين الأم والابن.
|