سلاح الدمار الشامل، سواء كان كيماوياً أو بيولوجياً أو نووياً، أمر غير محبب لدى شعوب العالم كافة، وذلك لأضراره الجسيمة والشاملة التي لا تفرق بين المقصود به وغير المقصود؛ حيث يحصد الآلاف بل الملايين من البشر نساءً وأطفالاً وشيوخاً وشباباً، عسكريين ومدنيين، محاربين ومسالمين، ولنا في القنبلة النووية التي ضربت مدينتي هيروشيما ونجزاكي اليابانيتين، والسلاح الكيميائي الذي ضُرب به الأكراد في العراق أكبر مثل على ضرر وبشاعة هذا السلاح الفتاك.
وقد قضت المواثيق الدولية، ومنها ميثاق الأمم المتحدة الصادر سنة 1945م، بعدم شرعية أسلحة الدمار الشامل مع ضرورة مكافحتها، كما أن معاهدة حظر الأسلحة النووية قضت بمطالبة دول العالم بالتوقيع على حظر انتشار هذه الأسلحة.
ومن أجل ذلك تحركت الولايات المتحدة لاستئصال هذه الأسلحة والقضاء عليها في الدول النامية أو الدول غير الديمقراطية والتي تتسم بعدم استقرار وتقلب أنظمة الحكم فيها، أو أن الهدف تحقيق مصالح ذاتية، فالولايات المتحدة غزت العراق وأسقطت نظام الحكم فيه بحجة القضاء على سلاح الدمار الشامل، والذي ترتب على ذلك دخول العراق في حالة فوضى وعدم استقرار، وفي نفس الوقت لم يعثر على أسلحة الدمار الشامل، ولو أن الولايات المتحدة تحققت من هذا الأمر بشكل جيد ولم تتأثر بادعاءات المعادين والمعارضين لنظام الحكم السابق في العراق لما وقعت هذه الحرب وما نتج عنها من أضرار للأمريكيين والعراقيين معاً، كما أن نظام الحكم العراقي السابق كان مقصِّراً في توضيح وإيصال الحقيقة في هذا الشأن، بل بالعكس فقد أوهم العالم بأنه لديه قوة فتاكة، وتبين أنه لا يملكها.
وفي هذا الإطار ضغطت الولايات المتحدة على كوريا الشمالية بصفة مباشرة وغير مباشرة عن طريق أصدقاء كوريا الشمالية كالصين بضرورة تفكيك برنامجها النووي، وذلك لكونه يهدد الولايات المتحدة وحلفاءها كاليابان وكوريا الجنوبية، ولا تزال الولايات المتحدة تعمل من أجل تحقيق ذلك، وكانت زيارة مستشارة الأمن القومي الأمريكي كندليزا رايس مؤخراً للصين وكوريا الجنوبية واليابان تصب في هذا الإطار. كما أن وكالة الطاقة الذرية الدولية تأثرت بتوجه الولايات المتحدة في هذا المجال؛ حيث دخلت في مفاوضات مع إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي التي تقول إيران بأنه برنامج سلمي، في حين يوجد مَن يتهمها بأنها تسعى لتصنيع السلاح النووي. كما أن ليبيا ربما بسبب الضغوط الغربية أو بسبب ما حدث في العراق قد أوقفت خططها وبرامجها فيما يتعلق بهذه الأسلحة. كما أن باكستان والتي تمتلك السلاح النووي قد حظيت بنصيبها من المضايقات في هذا المجال، في حين أن جارتها الهند وهي دولة نووية لم يحصل لها مثل ذلك. كما أن سوريا اتهمت بأن لديها سلاح دمار شامل، ومن أجل ذلك فرضت عليها عقوبات اقتصادية من قِبَل الولايات المتحدة بما يعرف بقانون محاسبة سوريا، والذي حظي بتصويت الكونغرس الأمريكي ونفذته الحكومة الأمريكية منذ وقت قريب.
أما حين جاء الدور على إسرائيل والتي تؤكد المعلومات أن لديها برنامجاً نووياً متقدماً، وأنها تمتلك ما يزيد على مائتين من الرؤوس النووية تلاشت مصداقية محاربة سلاح الدمار الشامل، فقد قام رئيس اللجنة الدولية للطاقة الذرية السيد محمد البرادعي والتي شاءت الأقدار بأن يكون عربياً مسلماً بزيارة إسرائيل، واجتمع مع رئيس وزرائها ليس من أجل أن تقوم إسرائيل بالتخلص من برنامجها النووي، بل من أجل أن تقوم بالكشف عنه وإزاحة السرية عنه فقط، ومع ذلك رفضت حكومة إسرائيل هذا الطلب مطالبة البرادعي بالتركيز بدلاً من ذلك على البرنامج الإيراني الذي تعتبره تهديداً لأمنها، وكأن برنامجها ليس فيه تهديد للعرب والمسلمين. ومع هذا الرفض الإسرائيلي لمطلب رئيس اللجنة الدولية للطاقة الذرية بالكشف عن سرية السلاح النووي الإسرائيلي لم نسمع احتجاجاً من أي الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة على هذا التصرف الإسرائيلي، فهل هو اختلال في المصداقية أم مجاملة لإسرائيل حتى في الأمور المحرمة دولياً؟ هل سلاح الدمار الشامل في إسرائيل برد وسلام، وسلاح الدمار الشامل في الدول الأخرى شر مستطير وتدمير وحشي؟!
لقد ارتاب العرب في الماضي من برنامج إسرائيل النووي، وسيزيد الآن هذا الارتياب مع رفض إسرائيل الكشف عن سرية برنامجها النووي، فالعرب والفلسطينيون قد بذلوا جهوداً كبيرة في سبيل إحلال السلام، فبعض الدول العربية اعترفت بإسرائيل وأبرمت معها معاهدات سلام، والبعض الآخر أبدى استعداده للتعايش مع إسرائيل إذا انسحبت من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967م، بما فيها القدس الشريف، وذلك في مشروع المبادرة العربية التي رفضتها إسرائيل، كما أن مشروع خارطة الطريق الذي قدمته الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة فيما يعرف باللجنة الرباعية واجه ولا يزال تلكؤاً من إسرائيل عندما وضعت شروطاً تعجيزية للتنفيذ كنزع سلاح الفلسطينيين.
إذاً إن رفض إسرائيل لمبادرات السلام، وبالتالي عدم انسحابها من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967م وهو شرط العرب في إقامة سلام معها، وكذلك استمرارها في العمل في برنامجها النووي ورفض الكشف عن سريته ومجاملة الدول الغربية لها في هذا المجال، سوف يعقد مشكلة الشرق الأوسط وسيحول دون الوصول إلى السلام المنشود.
|