ما تزال المحكمة الدولية، والمنظمات المختلفة، ووسائل الإعلام التي تحافظ على شيء من الموضوعية، تتحدث عن الجدار العنصري الفاصل الذي تقيمه دولة العنصرية اليهودية في فلسطين حديث الرفض والمناداة بإزالته لأنه يمثّل رجوعاً إلى التخلّف السياسي، ونكوصاً صارخاً عن الديمقراطية المدَّعاة التي قامت وتقوم من أجلها حروب طاحنة يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء في العالم، الديمقراطية بصورتها الغربية التي تبشر بها أمريكا وحلفاؤها بشارة عسكرية احتلالية كما جرى في العراق.
نعم ترفض تلك المؤسسات والمنظمات والوسائل الجدار العنصري الذي تبنيه الدولة الصهيونية الغاصبة في فلسطين بالأسمنت والحديد لتجعل من المدن والقرى الفلسطينية التي يسكنها الفلسطينيون سجناً كبيراً جداً يُخفي بعض أعمال العنف والطغيان التي لا تقرها الشرائع ولا الأعراف.
جدارٌ يلتوي كالثعبان القاتل أمام أنظار العالم أجمع متحدِّياً كلَّ القوانين والأعراف الدولية التي باركت هدم جدار برلين، وصفَّقت لهدم قوانين الستار الحديدي السوفيتي السابق، وضارباً بقوانين الأمم المتحدة جميعها، وبشعارات الحكومة الأمريكية وحليفتها التابعة لها بريطانيا التي تنادي بالديمقراطية عرض الحائط العنصري الرَّهيب.
ولاشك أننا نفرح بهذا النقد الصريح الذي توجهه المنظمات المختلفة لدولة الاعتداء الصهيوني في فلسطين، ونشيد بذلك القرار الذي اتخذته محكمة العدل الدولية ضد جدار شارون وعصابته، ونسعد بكل صوتٍ حرٍّ، ورأي عادلٍ ينطلق من هنا وهناك لرفض بناء الجدار العنصري الذي أصبح قَذاةً عنيفة في عين هيئة الأمم وقوانينها نعم نفرح بذلك ونشيد به ونسعد، ولكننا نودُّ أن نلفت أنظار الجميع إلى أن هذا الجدار العنصري المنظور الذي تراه العين المجرَّدة، إنّما هو امتدادٌ لذلك الجدار العنصري الذي أُقيم في فلسطين المغتصبة منذ وعد بلفور المشهور إلى وعد بوش المذكور، جدار الاغتصاب للأرض بكاملها، والتشريد لشعبٍ بكامله، والقتل والسّحل والإِهانة للكبير والصغير، والذكر والأنثى في فلسطين الحبيبة.
جدار إحراق المسجد الأقصى، ومذبحة الخليل ومسجدها الإبراهيمي المبارك، ومذبحة صبرا وشاتيلا، وغيرها من المذابح العامة والخاصة التي استهدفت الأشخاص المقعدين كما جرى للشيخ أحمد ياسين.
هذا الجدار العنصري الصهيوني الذي لا تراه العين المجرَّدة سياجاً قائماً أمامها، وإنما تراه قتلاً وتشريداً وهدماً وظلماً وعدواناً، هو الذي أقام الجدار العنصري الذي بَنَته دولة الظلم الصهيونية بالأسمنت والحديد.
يا ترى، ويا هل ترى، هل غاب عن نظر محكمة العدل الدولية ذلك الجدار العنصري الصهيوني فما رأت آثاره، ولا شاهدت أبراجه الظالمة تحيط بأهل الأرض المباركة منذ قيام دولة الصهيونية التي أطلقوا عليها تمويهاً (إسرائيل)، وإسرائيل عليه السلام منها بَراء.
إننا نقول لكل من يحمل بين جنبيه مثقال ذرةٍ من إحساس بضرورة ردع الظالم، وإقامة العدل: الحكومة الصهيونية القائمة في فلسطين كلُّها جدارٌ عنصري فاصل، جدارٌ أقيم على الظلم والطغيان فهلا أصدرتم الأحكام العادلة بإزالته عن أهل الحق في أرض الإسراء والمعراج، فإنَّ هذا الجدار بشقّيه المنظور وغير المنظور هو السبب في مآسي العالم أجمع.
إشارة
كل عذرٍ فيما نرى ليس بحدي
لو ملأنا سماءنا أعذارا |
|