Monday 19th July,200411617العددالأثنين 2 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
تدوير الخداع
عبدالله بن بخيت

حدثتكم يوم أمس الأول عن تدوير فرضية العنوسة كأرضية ترويعية مخادعة للترويج لتعدد الزوجات. وأظن أن هناك من يتذكر أنني تحدثت كثيراً عن حكاية غلاء المهور وهي بنت عم لزم لحكاية العنوسة ولها دور مماثل ولكن من الجهة الثانية للحقيقة. أقر دائماً أن هناك صعوبة بالغة للتخلص من الأوهام. لقد احتجنا صدمات كثيرة لكي نتأكد من صعوبة تبرير كلمة (خصوصيتنا). ظلت هذه الكلمة إلى فترة قريبة أغنية وطنية لا يطالها الباطل. لنكتشف أخيراً أنها ليست مجرد كلمة أنها تورية صممت كآلة إعلامية لتقذف بالإنسان في متاهة من السراب حتى يتصرف بعيداً عن الحقيقة الماثلة أمامه كالصخر.
لم أهتم كثيراً بالتوريات لأني لم أهتم أصلاً بالبلاغة. ليأتي اليوم الذي أأسف فيه على ذلك. فالتورية ليست مادة خاصة بالفن والأدب ولكنها لعبة من ألاعيب الحياة. فبقدر ما هي خديعة أدبية هي أيضاً لعبة سياسية وخديعة نفسية يحتاجها الإنسان وإذا كانت التورية تتجلى في اللغة والأدب فهي في حقيقة الأمر تنتقل من اللغة إلى الحياة ومن الحياة إلى اللغة. فالعنوسة وغلاء المهور وخصوصيتنا وغيرها من الكلمات التي يتم تدويرها لا يمكن أن تتجه بشكل مستقيم إلى أهدافها التي تتظاهر على سطحها. إنها إزاحة متعمدة أو عفوية لحدث يمثلها في داخل المجتمع.
ذهب الرجل وسلم نفسه للبوليس وقال لقد قتلته ومستعد أن أقتله مرة أخرى لو عاد حيّاً. إنه هو الوحيد الذي يستحق القتل. عرف البوليس أن الرجل قتل ساعي البريد العجوز ولم يقتل زوجته أو عشيقها اللذين تسببا في آلامه بخيانتهما له. لماذا قتلته. هو مجرد ساعي بريد مسكين لا يعرف حتى ما يدور في الرسائل؟
فأجاب الرجل: إنك لا تعرف يا سيدي الضابط فأنا لا أستطيع قتل زوجتي فأنا أحبها وفوق هذا أنا رجل مريض ولا أستطيع أن أحيا بدونها فهي امرأة طيبة ترعاني باستمرار. بدونها ستكون حياتي جحيما. كيف تريد مني قتلها.
لماذا لم تقتل عشيقها إذاً.
فقال: إنّ عشيقها يعيش بعيداً عن منطقتنا ولا أستطيع اللحاق به فكما قلت لك فأنا عليل. والشيء الثاني أن الرجل يعمل في الجيش وأنت تعرف يا سيدي نفوذ رجال الجيش في هذه البلاد إنه هو. ساعي البريد الذي يستحق القتل. هو الذي ينقل الرسائل بينهما. إنّ المسألة تتعلق بشرفي ولا بد أن أنتقم له لا بد أن أقتل أحداً في مقدوري أن أقتله.
هذا مختصر سريع لقصة من أمريكا الجنوبية نسيت اسم كاتبتها. تتحدث عن هذه القصة في الأساس عن فن التورية وتنقله بين الأدب وبين الحياة. ليس كل ما نفعله يأتي بالشكل المستقيم. فالحياة قائمة في جزء كبير منها على هذا النوع من التورية. فالرجل مقتنع تماماً بما فعل، لقد انتقم لشرفه ولو بإزاحة بسيطة لمجرى الدم. ولا شك أن المرأة في كثير من المجتمعات الضعيفة هي ساعي البريد العجوز هذا.

فاكس 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved