عند نهاية كل موسم دراسي تجتاح المجتمع هموم التسجيل في الجامعات السعودية ، وتظل الإمكانات كما تدعي وزارة التعليم العالي وجامعاتها الإحدى عشرة محدودة للغاية!! ، وتشرع هذه الجامعات في طرح شروط تعجيزية لقبول الدراسة فيها ، بدءاً من المطالبة بنسب محددة في درجات التخرج عند إتمام دراسة الثانوية العامة ، إضافة إلى وجوب أن يكون الخريج خريج العام الحالي ، وانتهاء بالمقابلة الشخصية ، مروراً بما يسمى امتحان القياس والتقويم ، ذلك الشرط المبتدع أخيراً!!، الذي يندر أن يوجد في معظم البلدان ان لم يكن جميعها ، الجميع منا لم يفهم حتى الآن ما هو سر ضعف أو تدني قبول الراغبين في الدراسة في جامعاتنا ، فهل هو بسبب قلة اعتماد المخصصات المالية التي تعتمد سنوياً في الميزانية العامة للدولة لسد احتياجات التعليم العالي ، أم بسبب ندرة أعضاء هيئة التدريس الذين منحهم النظام أخيراً مد فترة تقاعدهم إلى سن الخامسة والستين ، أم أن ذلك بسبب محدودية مساحات مباني جامعاتنا ، التي تعد أكبر الجامعات العربية مساحة سواء من ناحية قاعاتها الداخلية أو أفنيتها الخارجية ، أم أن وزارة التعليم العالي وجامعاتها رأت أن هناك اكتفاء ذاتيا من حملة شهادة البكالوريوس وفي تخصصات عديدة ونادرة أيضا ، وأن ذلك يغطي احتياجات سوق العمل لدينا ، ولهذا انتهجت هذا النهج!! ، كلنا حقيقة لا نعلم حتى الآن ما هو سر ذلك الأمر ، وحتى الوزارة يبدو أنها لا تستطيع مع الأسف الشديد كشف هذا السر إن وجد أيضا ، وإلا لبادرت ولو إعلاميا لإيضاح ذلك أمام العديد من أحاديث ونقد المجالس والإعلام عامة ، الذي يصدر على الدوام ، حتى أصبح ذلك حديث الناس أجمع بل وهمهم الأكبر ، والذي شكل معه خوفاً كبيراً على مستقبل أبنائهم وبناتهم أعمدة المجتمع ، اللهم الا ان كانت هناك تصريحات ومعلومات تلقيها الوزارة على صفحات الجرائد عند نهاية كل موسم دراسي ، المتمثل ذلك في احتفائها بالطلاب والطالبات الذين يودون مواصلة دراستهم الجامعية بالخارج ، وعلى حسابهم الخاص أيضاً ، مع نسبة قليلة ممن يدرس على حساب الوزارة ، فنلاحظ أن الوزارة تصرح أنها تستقبل سنوياً العدد الفلاني من الطلبة الراغبين في الدراسة بالخارج ، وآخر ما قرأنا عن ذلك حول ما كتبته جريدة إيلاف الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية ، على لسان كل من مدير البعثات ومدير عام البحوث والدراسات بالوزارة ، ان الارتفاع ملحوظ في نسبة المبتعثين لدى الجنسين ، وأن نسبة الابتعاث متقاربة بينهما التي تصل إلى 50% لكليهما ، وأن الوزارة لا تشترط على الفتاة للدراسة في الخارج سوى وجود محرم برفقتها ، مع الإشارة إلى أن أعداد الدارسات والدارسين بالخارج على حسابهم الخاص ترتفع بأعداد رهيبة بالذات في دولتي (مصر والأردن على وجه الخصوص) ، لا أدري لماذا لا تسأل الوزارة الموقرة نفسها عن سبب هذه الزيادة المتنامية المخيفة تجاه سلامة أجيالنا أمنياً واجتماعياً ، هذا إذا ما تناسينا القضية الاقتصادية بمفهومها العام ، وهل هي عملت أو جابهت ذلك الأمر الخطير بالتخطيط والدراسة للحد منه أو القضاء عليه نهائياً ، ذلك الأمر الذي يشكل لنا مأساة أخطر وأخطر على كافة الأصعدة ، عندما نسمح أو نساعد على ابتعاث هؤلاء الفتية خارج محيطهم الاجتماعي ، وهم في مرحلة الشبيبة ، او ما يسمى بالمرحلة الفوارة في علم الاجتماع ، إننا نرجو من الوزارة أن تراجع خططها ، كما أننا نرى أنها بحاجة إلى إعادة هيكلة لوزارتها وجامعاتها ، فلا يمكن أن نجد حلاً نهائياً داخلياً وسياسة الابتعاث إلى الخارج قائمة على أشدها ، في الوقت الذي يرى فيه الجميع أن البلاد أولى باحتضان ابنائها وبناتها ، والسعي نحو درء المخاطر عنهم عند توفير التعليم بين أهليهم وذويهم ، حفاظاً على سلوكياتهم وأخلاقياتهم المكتسبة لديهم فطرياً ، فهلا من مبادرة جادة ، أم سنظل نتحدث عن الإمكانات المالية وندرة كفاءة أعضاء هيئة التدريس ، وكذا صعوبة التفريط في مخرجات شرب وأكل عليها الدهر يا وزارة التعليم العالي ، إلى أن يكون ذلك على حساب مجتمع حرصت قيادته عليه بأن توفر له كافة سبل العيش الكريم والنهوض به في كافة المجالات ما استطاعت إليه سبيلاً.
الباحث في شؤون الموارد البشرية
|