سعدت في يوم الاثنين 24 - 5 - 1425هـ بزيارة جديدة للمتحف الوطني في مركز الملك عبد العزيز التاريخي في مدينة الرياض. والحقيقة أن الزائر لهذا المعلم الحضاري الرائع يعجب أشد العجب حين يرى أن مثل هذا الصرح الشامخ رغم أهميته التاريخية ودوره الإعلامي لا يزوره إلا عدد محدود من أبناء الوطن؛ فلقد عددت في زيارتي هذه عشرة من الزوار فقط لا غير.
لقد بذلت حكومتنا الرشيدة الكثير والكثير لمصلحة الوطن والمواطن، وأقامت هذا المتحف الذي يضاهي المتاحف العالمية، بل قد يفوق بعضها في حسن تنظيمه وتنسيقه وتقنياته الضوئية والسمعية والبصرية، وغير ذلك وفي الوقت الذي نرى فيه ازحام أبناء الوطن وأسرهم على مشاهدة المتاحف والآثار في الدول المجاورة التي يرتادونها في إجازة الصيف خاصة، نجد أن الكثير منهم لم يزوروا متاحف بلادهم، وهذا أمر مؤسف ناتج عن الوعي القاصر والمفهوم الخاطئ؛ فكثير من السعوديين لا يعرفون شيئاً على العمق الحضاري لبلادهم كما لا يفهمون البعد التاريخي لشبه الجزيرة العربية وممالكها القديمة والحديثة فما بالك بأبنائهم وبناتهم؟!
إن زيارة واحدة للمتحف الوطني تكفيك عن قراءة مئة كتاب في هذا الشأن؛ فالترتيب التاريخي التصاعدي الموضوعي للحضارات على شبه الجزيرة العربية نسق جميل يدفعك للمتابعة والاهتمام، ويشعرك بأنك تعيش في قلب التاريخ النابض. ولعل إشارتي هذه إلى قلة رواد المتحف تلمح إلى جانب من القصور الإعلامي أو الدعائي لهذا المتحف العملاق.
ومما أود الإشارة إليه هو أني اطلعت على تفاصيل مهمة عن (تيماء) تلك المدينة التاريخية الممتدة في الشمال الغربي من البلاد فشاهدت سور تيماء بحجارته الأصلية!! ورأيت عجائب البناء الأخرى في تيماء كنظام الري والمعابد وغيرها، كما قمت بزيارة تخيلية لتيماء المدينيين، وشاهدت كذلك قصر الحمراء ومعبد تيماء ومذبحاً من الحجر الرملي يعود للقرن التاسع قبل الميلاد، ولكني حين لمحت مسلة قصر الحمراء المكتوبة بالخط الآرامي تذكرت على الفور (حجر تيماء) أو مسلة تيماء كما يسمى القابع في متحف اللوفر في باريس، والذي شكل فتحاً للباحثين عند اكتشافه في آخر القرن التاسع عشر للميلاد من قبل تشالز هوير وصاحبه يوليوس أويتنج. أليس متحفنا الوطني أحق به من غيره؟! أليس متحفنا الوطني هو المكان الطبيعي الذي يجب أن يعرض فيه؟! ولا أدري عما بذل من جهود في سبيل استعادته؟ وهل هناك مساعٍ جادة للحصول عليه كما سبق استعادة غيره من سلسلة آثارنا المنهوبة من قبل الرحالة والمستشرقين؟! ولا يمكننا أن نتجاهل دور وكالة الآثار والمتاحف في هذا الموضوع المهم.
ومما يفرضه عليّ الواجب الوطني هو التنبيه على بعض النقاط، ومن ذلك:
* في قسم (الإسلام والجزيرة العربية) نجد لوحة مكتوبة بعنوان (شبه الجزيرة العربية في عهد العثمانيين) وفيها: (... وظلت الأحساء خاضعة لحكم العثمانيين إلى أن استعادها الملك عبد العزيز سنة 1333هـ) بل إني أظن - وبعض الظن إثم - أن الترجمة الإنجليزية للنص العربي السابق على نفس اللوحة غير دقيقة.
والحقيقة التي يتفق معي فيها كل المصادر التاريخية أن هناك خطأ تاريخياً كبيراً في هذه اللوحة لا يمكن تجاوزه ولا السكوت عليه، ونحن بين أجنحة المتحف الوطني الذي يفترض أن يكون مرجعاً تاريخياً؛ فالملك عبد العزيز استعاد الأحساء سنة 1331هـ - 1913م وليس 1333هـ؛ ولعل السبب في عدم اكتشاف هذا الخطأ خلال المدة السابقة هو أن الناس يمرون على هذه اللوحة مرور الكرام؛ لافتراضهم مرجعيتها، رغم أن التاريخ الصحيح مذكور في قسم توحيد المملكة.
* وفي عرض مصور لحصار الدرعية قال المذيع في مقدمة العرض: إن الدرعية تعرضت لمحنة عصيبة عام 1234هـ أو كلاما مقاربا لهذا الكلام، ورغم أن هذه المعلومة مرت سريعا فكأني سمعتها بهذا التاريخ، والمعروف أن بداية حصار الدرعية ومحنتها وتسليمها كان عام 1233هـ.
* ومن الأشياء اللافتة للنظر أننا نجد في بعض (فترينات) العرض للمواد الأثرية كلمات توضيحية لأشياء غير موجودة في العرض؛ فهناك إشارات لمجسم غير موضوع ووثيقة غائبة وصورة مفقودة وهكذا، ولا أدري لماذا؟! فإما أن تعاد المادة إلى مكانها الذي كانت فيه أصلاً وإما أن تلغى الكتابة التوضيحية؛ حفظاً للتنظيم الذي ينبغي الحرص عليه - وهذه من الملاحظات القديمة - ولا أجد مبرراً لانتزاع شيء من المعروضات وحرمان الزائر من مشاهدتها إلا إذا كان المسؤولون يرون أن الزوار لن يلحظوا ذلك!!
* وأخيراً.. هل يرى المسؤولون في المتحف إقبالاً متزايداً يستدعي أن تكون أسعار التذاكر 15 ريالاً للشخص الواحد؟!
هذا ما أردت بثه من قول ظننته هادفاً بعد زيارتي للمتحف الوطني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قاسم بن خلف الرويس
|