قراءة في كتاب (من أخبار القبائل في نجد) للأستاذ فائز البدراني

لا أبالغ إن قلت أن كتاب الأستاذ فائز البدراني (من أخبار القبائل في نجد) إضافة هامة للمكتبة العربية حيث انه يعد الكتاب الوحيد الذي عني بأخبار قبائل البادية في نجد خلال الفترة ما بين القرن التاسع وحتى القرن الرابع عشر ةما يميزه عن غيره أنه في الغالب استند للمراجع الموثقة من كتب مؤرخين عاشوا تلك الحقب الزمنية أو من نقل عنهم وعمل كهذا عطفاً على ما يحتاجه من جهد ووقت أيضاً يحتاج للشجاعة في إيضاح الصورة الحقيقية لحقبة زمنية كل ما يعرف عنها الأساطير المتناقلة من الآباء والأجداد.
وفي مقالي هنا أود أن أعلق على منهج الكتاب من وجهة نظري المتواضعة كأحد هواة القراءة في تاريخ الجزيرة العربية مع اعترافي بأن هذا الكتاب كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في تنويري عن المصادر المتاحة لهذا العلم.
نقد الكتاب
1 - لعل أول ما يلفت النظر هو مسمى الكتاب (من أخبار القبائل في نجد) فيا ليت الكاتب أضاف عبارة البادية لأن الكتاب لا يشمل أخبار القبائل المتحضرة.
2 - نقد المقدمة :
أ - من المعتاد لدى الباحثين التاريخيين ان تحتوي مقدمة كتبهم تصورا للحالة العامة في الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للحيز الزمني محل البحث وهذا ما لم نجده في الكتاب.
ب - لم تحو المقدمة دراسة لمصادر الكتاب وكل ما توفر هو ترجمة لبعض المؤرخين في الحواشي.
ج - لم يذكر البدراني سبب اختياره لتلك الحقبة الزمنية تحديدا دون غيرها.
د - إن حدود منطقة نجد جغرافياً هي محل خلاف بين الجغرافيين في القديم والحديث واستغرب ان البدراني لم يقم بتحديد منطقة نجد التي تحدث عنها في كتابه بل انه لم يذكر أقاليمها ولمحة عن طبيعتها الجغرافية.
3 - لم يحدد البدراني منهجا واضحا لكيفية سرد الأخبار فتارة ينقل حرفيا ما ذكره المؤرخ بما حواه من أخطاء لغوية وتارة أخرى يستخدم أسلوبه في السرد وأحياناً يأخذ بخلاصة ما ذكر وهذا ما يسبب تشويشا لدى القارئ.
4 - تميز التحقيق الجغرافي للكتاب بضعف واضح في مواضع عدة منها تحقيق بعض المواضع بأسلوب سطحي كقوله عن الضلعفة(2) (موضع على مشارف مطار القصيم) وفي جزء كبير من الكتاب لم يحقق المواضع التي حدثت بها الأخبار.
5 - اعتمد البدراني كثيرا على كتاب تحفة المشتاق وقد نوافقه في الأخبار التي سبقت العام 1040 لأنها كتبت بقلم الجد أحمد البسام المتوفى عام 1040 أما الأخبار التي تلي ذلك فهي كتبت بقلم حفيده عبد الله البسام المتوفى 1346 فلا يصح ترجيح خبر من مؤرخ متأخر على من سبقه من معاصري تلك الأخبار وهذا ما جعل بعض الأخبار تذكر بشكل لا يطابق الواقع.
فعلى سبيل المثال خبر ارتحال الفضول عام(3) 1085 ذكر المنقور معاصر ذلك الارتحال ومن تلاه من مؤرخين ان جهة الارتحال هي الشرق ونجد ابن عيسى وابن بشر يذكران ذلك أيضاً إلا أن البدراني أخذ برأي مؤرخ متأخر وهو عبد الله البسام بأن الفضول ارتحلوا إلى العراق بل إن الملا في كتابه تاريخ هجر(4) ذكر ذلك الارتحال وعده ارتحالا لقبيلة متحضرة حين قال: (ومما تجدر الاشارة إليه ان الهجرات إلى بلاد البحرين لم تكن قاصرة على القبائل البدوية فحسب).. إلى ان قال (ومن ذلك على سبيل المثال في سنة ألف وخمس وثمانين هجرية اجتاح نجد قحط شديد سمي بجردان اضطر على أثره عدد كبير من أهل نجد للهجرة إلى الأحساء ومن ضمنهم هجرة الفضول(5)) وهذا ما يتفق مع ما ذكره قدماء المؤرخين كالمنقور فهو لم يذكر عبارة بادية بل قال جرمان وحدرة الفضول إلىالشرق.
6 - لعلي أخالف البدراني في استنتاجاته عن ضعف وقوة القبائل في آخر كل فصل فقد ذكر في مقدمة كتابه ما يميز التواريخ النجدية من قلة أخبار قبائل البادية واختصارها المخل مما لايتيح تصورا واضحا عن الحالة العامة في ذلك الزمن فكيف بوسعه استنتاج ما كان عليه الحال في ذلك الوقت.
7 - تميز كتاب البدراني بنقص واضح في ذكر الكثير من الوقعات الواردة في المصادر التاريخية.
8- أطلق البدراني تسميات لبعض المناخات لا أصل لها كتسميته لمناخ عترة والظفير في العام 1065 بمناخ النبقية(6) فالبدراني يطلق على المناخ اللقب نسبة إلى الموضع الذي حدثت فيه ولو كان ذلك منهجا متبعا في جميع الأخبار لكان مقبولا ولكن يطلق على بعضها دون الآخر مما يجعل القارئ يعتقد ان اسم المناخ منقول من مؤرخ متقدم.
أيضا أطلق على بعض الوقعات تسميات استنتاجية لا أصل لها وعلى سبيل المثال أطلق على أخذ الظفير للبجيدي على التويم في العام 1169 (7) (وقعة بين الظفير وأهل التويم) فكيف استنتج البدراني ان البجيدي من أهل التويم؟؟؟
9 - البدراني والرواية الشفهية والأشعار:
انتقد البدراني في مقدمة كتابه الباحثين الذين أخذوا بالروايات الشفهية والأشعار واعتبر ان ذلك يعطي صورة غير علمية(8) إلا أنه ناقض نفسه باللجوء إلى الروايات الشفهية في أخبار بعض القبائل كبعض أخبار العام 1280 والتي لا أصل لها سوى الروايات الشفهية، فإن كان الأخذ بالرواية الشفهية والأشعار منهجا متبعا لدى البدراني فالمفترض ان يتبع ذلك كمنهج عام للكتاب وليس لأخبار قبائل معينة دون غيرها.