لاحظ الجميع أن الخوارج (الإرهابيين) قاموا بتأويل آيات القرآن الكريم والأحاديث بالشكل الذي يرونه يتوافق مع اهدافهم الشيطانية والاستدلال بالنصوص وتطبيقها وإنزالها على غير ما تدل عليه، ومن ضمن ما قاموا بتأويله كلمة (ترهبون) الواردة في الآية التي ستذكر لاحقاً فيبررون لأنفسهم اعمالهم الإرهابية ويتباهون بها ويقولون بأن الله أمر بالإرهاب في القرآن الكريم عند قوله سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (60) سورة الأنفال - والعياذ بالله من تأويلهم، بل أنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك وقالوا (الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر) وأسندوا ذلك لتفسيرهم هم لهذه الآية وآيات أخرى وأحاديث نبوية وقالوا ايضا إن من قال ان الإسلام بريء من الإرهاب أو أراد التفريق بينهما فقد كفر! ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه الآية المذكورة أعلاه حسب تأويلهم لها تعطيهم غطاء شرعياً قوياً لأعمالهم إذا فسرت حسب رغبتهم. ولأن العلماء والدعاة والأئمة لم يتصدوا بالشكل الكافي لهذا التأويل للآية المذكورة أو لتأويلات أخرى لآيات وأحاديث نبوية، فالجميع يطلب منهم مضاعفة الجهود وتوضيح ذلك لما لا يدع مجالاً للتأويل.
وحسب فهمي البسيط أن مجمل معنى ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى في هذه الآية هو التسلح والتدريب لجيش المسلمين، ومن أهداف القوة التي أمر بها الله وبعد تدريبها وتأهيلها بما نستطيع وبمجرد وجود تلك القوة الضاربة المدربة وبدون استخدامها يتم إرهاب العدو نفسياً (الحرب النفسية)، وليس المقصود أعمالاً إرهابية شخصية أو حتى أعمالاً حربية دون أمر ولي الأمر بها. والرهبة هنا هي الهيبة.
ولم نُؤمر في تلك الآية بقتل الأبرياء والأطفال والنساء ولا المعاهدين ومن اعطوا الأمان وتم إدخالهم بكفالة المواطنين، وكذلك من شروط تلك القوة التي أمرنا الله أن نعدها أن يلتزم كل من فيها بالسمع والطاعة، فالسمع والطاعة هي اهم قوة، فتخيل جيشاً عندما يُؤمر بالهجوم بطريقة معينة فيهجم وينفذ الأوامر بكل إخلاص وتفانٍ ومن دون تردد أو تساؤل، وهذا قمة السمع والطاعة وبالتالي قمة القوة، وعلى الطرف الآخر تخيل جيش معد ومدرب ومجهز بأفضل تجهيز ولديه من الأسلحة أفضلها وعندما يؤمر بالهجوم يقوم كل جندي في هذا الجيش بتنفيذ خطته الخاصة وعدم الالتزام بالخطط العامة ويتساءل عن جدوى وفعالية الخطة العامة التي أمر بتنفيذها، فلا ترى سوى جيشاً مبعثراً ضعيفاً رغم كل التجهيزات والتدريب كقصة الرماح التي لا يمكن كسرها مجتمعة وتكسر منفردة كما جاء في قول الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت أحادى |
السمع والطاعة من عوامل الهيبة (الحرب النفسية) للجيوش المعادية. أكرر للجيوش المعادية تخلق لديهم أثراً نفسياً قبل المواجهة أو حتى تجعلهم يراجعون أنفسهم في جدوى الدخول من عدمه في مواجهة مع تلك القوة التي تسمع وتطيع، وبهذه الطريقة يتم إرهاب الجيوش نفسياً وتحقيق مكاسب استراتيجية قبل الدخول في حروب (دفاعية و هجومية) لمهابة تلك القوة وهذا هو المقصود في الآية اي إرهاب جيوش العدو بتجهيز وتدريب جيشنا والسمع والطاعة لولي الأمر وبالتالي الاحتراف كما حصل ذلك في غزوات عدة قام بها النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً وقام بها صحابته رضوان الله عليهم احياناً أخرى، وكانوا لا يجدون العدو في بعض الغزوات فبمجرد تحرك القوة من المدينة المنورة كان عدوهم ينسحب من موقعه قبل وصولهم وقبل أن يراهم بالعين المجردة مخلفاً الغنائم خلفه لأن لجيش المسلمين السابقين هيبة فلا يجد عدوهم جدوى من مواجهته وذلك لسمعته في القوة والتنظيم والسمع والطاعة، ولم يرد في الآية ما يبرر إرهاب وقتل ونحر الناس العزل الآمنين الغافلين والغدر بهم والخروج على ولي الأمر وشق صف المسلمين والعصيان والتمرد والطعن من الخلف.
الإرهاب ليس له دين ولا مذهب ولا عقل ومنطق وليس له علاقة بدين الإسلام وهناك الكثير من الإرهابيين العالميين من غير المسلمين مثل (شارون) مثلا فهل شارون عندما يقوم بارتكاب جرائمه يستند إلى الآية التي ذكرت أو إلى اي حديث شريف لكي يبرر ارهابه؟! فإذا كان الجواب بالنفي فيجب عدم السماح للخوارج بتلطيخ سمعة الإسلام بالإرهاب، والإصرار على أنه جزء لا يتجزأ من الإسلام.
وأشير لتأويل حديث أم سلمة في الجيش الذي يغزو الكعبة فيخسف به الله ببيداء من الأرض وفيهم المكره ومن ليس منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم). وحسب تأويل الخوارج لهذا الحديث فإنه يجوز لهم قتل الأبرياء لأن الله سيبعثهم على نياتهم ونسوا أن الحديث واضح وأن الخالق عز وجل هو من يخسف بذلك الجيش بأمر من عنده سبحانه وتعالى وهي ليست إرادة بشرية كما هو الحال هذه الأيام بل إرادة إلهية.
وكذلك أشير هنا إلى تفسيرهم وتأويلهم لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) بأن معنى ذلك (حسب تفسير الخوارج) قتلهم والغدر بهم فلم نسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة إلا أنهم يكرمون من جاورهم ويعتنون به سواء كان يهودياً أو نصرانياً ويقبلون الهدايا منهم ويقومون بعيادتهم عند مرضهم. وهذه من عظمة الإسلام ومن اسباب انتشاره. ولو كان تفسير الآية والحديث الشريف كما فسرها الأرهابيون، لكان الخلفاء وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص وأولى في تنفيذها ولو كان ذلك صحيحاً لم نجد اليوم اليهود والنصارى في العراق والشام وفلسطين ومصر واليمن (جزء من جزيرة العرب) والمغرب العربي والاندلس وتركيا وإيران وغيرها الكثير وكلها أماكن فتحت في وقت الخلفاء بل قابل الخلفاء اليهود والنصارى، وجلسوا معهم ودخلوا كنائسهم وجاوروهم في المدينة المنورة وغيرها وجعلوهم يعيشون بينهم ليس كمعاهدين أو كساكنين بل كمواطنين تتم حمايتهم والاقتصاص لهم، ولم يقتلهم الخلفاء والصحابة أو يخرجوهم ولم يخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يطردوهم من جزيرة العرب بل بقوا بها!.
ولا داعي هنا أن اذكر أنه ليس في جزيرة العرب أو ما جاورها دولة أو كيان يحكم بغير المسلمين يتطلب تنفيذ الحديث الشريف، ويجب أن اذكر بأن اليهود والنصارى لم ينقطعوا من مخالطة ومجاورة المسلمين منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا (أكثر من 1400 سنة).
ولا غرابة لأن الإسلام كله فضائل وعندما أنزل الله الإسلام أنزله على العرب دون الشعوب الأخرى لاكتمال مكارم الأخلاق لديهم منها الشهامة والكرم والغيرة والنخوة والاحترام وعدم الغدر وإجارة من استجار، وهذه مبادىء وقيم دعمها وأقرها الإسلام بأن تمم مكارم الأخلاق التي كانت لدى العرب، فلا يمكن أن يكون الإرهاب والتدمير والاختطاف والنحر والغدر من فضائل الإسلام أو من صفات المسلمين.
ثم إن من أصلاب اليهود والنصارى أنبياء وأمهات للمؤمنين وصحابة ومسلمين اسلموا لاحقاً وأفاد الله بهم الإسلام، وهل يعلم أحد منا عن أسلافه وعلى أي دين كانوا قبل أن يسلموا؟.. ربما كانوا وثنين يعبدون الأصنام! وها هو اليوم يدين بالإسلام ديناً.. قال تعالى: {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ} (94) سورة النساء، فيجب النظر إلى اليهود والنصارى على أنهم أرضية خصبة للدعوة إلى الله، ولا يخفى أن أكبر الدول الإسلامية الآن من حيث عدد المسلمين لم يصلها الإسلام بالفتوحات والغزوات بل وصلها بسمعته وبالدعوة والحوار (حيث أمرنا الله سبحانه بأن ندعو بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن) وحصل ذلك في آسيا وبنفس الطريقة وصل إلى افريقيا وأوروبا وأمريكا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله) الإمام علي رضي الله عنه هو أول من قاتل الخوارج على تأويل القرآن وقد خرجوا عليه وكفروه ثم قتلوه وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم! واحد العشرة المبشرين بالجنة! وها هم يخرجون مرة اخرى وها هم يؤولون مرة أخرى ويكَفِّرون ويقتلون.
وقد أبلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخوارج بعد موقعة حنين والطائف فلم يعجبهم عدل الرسول وهو يوزع الغنائم وهو نبي مرسل بأعظم امانة وهو المصطفى الذي اصطفاه الله! وقال له أحدهم اعدل وهو بين يديه! فإن لم يعجبهم عدل النبي صلى الله عليه وسلم وهو عدل بأمر الله سبحانه وتعالى فأي عدل سيعجبهم؟!!.
وإني هنا اجتهد فقط وأطلب من علماء ودعاة وأئمة المسلمين توضيح الآيات والأحاديث التي يستخدمها الخوارج لتبرير أفعالهم القبيحة والتصدي لها كلما استخدمت وتوضيحها للمسلمين ومن كان يراوده الدخول في الإسلام أولاً، وللخوارج والمتعاطفين معهم ثانياً. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } (159) سورة البقرة. فلذلك يجب ألا تأخذ العلماء والدعاة والأئمة في الله لومة لائم. ومن هذه الآيات والأحاديث المطلوب توضيحها وشرحها والتطرق لها ما ذكر وكذلك مسائل الولاء والبراء والتكفير والغلو في الدين والبيعة والإفتاء والمفتين وألا تصدر الفتاوى التي تمس شمل المسلمين والأمة واستقرارهم والمسائل الكبرى والقضايا الخطيرة إلا من العلماء الراسخين، والتوعية بعدم الأخذ بالفتاوى إلا ممن رسخ علمهم وحكمتهم، ووجوب احترام العلماء وعلمهم، والسمع والطاعة لولي الأمر ومسألة الخلافة وتوضيح أنه كان هناك أكثر من ثلاثة خلفاء في وقت واحد وكان كل واحد منهم يدعى بأمير المؤمنين وله دولة مستقلة وكان ذلك في الحجاز والشام والعراق وغيرها. ويلزم علماءنا توضيح هذه المسائل كلها وبالتكرار والتفصيل وبوسائل متعددة ليتم تحصين شباب المسلمين من أفكار الخوارج ويكون ذلك لسنوات عدة قادمة حتى يتم دحر هذا الفكر والتحصين منه. وبغض النظر عن النجاحات العسكرية في القضاء على هذه الفئة الضالة وحتى بعد أن يتم استئصالهم يجب التكرار والتوضيح لكي لا تختطف هذه الآيات والأحاديث وتجعل مطية يمتطيها من أراد وفي أي وجهة يسير بها ولكي يتم نزع الغطاء الشرعي الزائف الذي يعمل تحته الخوارج.
|