هنالك مفكِّرون ومثقفون وكتَّاب يبيحون لأنفسهم ما لا يجوز من العبارات الطائشة التي تنال من ذات الله عزَّ وجلَّ، أو من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتجون لذلك بحرية الكلمة، وإذا ضايقتهم الأسئلة جنحوا إلى التسويغ، والتأويل والتفسير الذي يحاولون أن يخرجوا به من الزوايا الضيقة التي تحشرهم فيها أسئلة الناس الغاضبين مما يقولون، ويجتهدون في التأويل لإرضاء البشر متناسين غضب الله سبحانه وتعالى وعقابه، متجاهلين خطورة ما يقولون، غافلين عن أنَّ إرضاء الله عزَّ وجلَّ هو الأولى.
يقول تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ}.
إننا نبرأ إلى الله من كل عبارة فيها إيحاء بعدم تقدير عظمة الله وجلاله، أو تقدير شخصية أفضل الخلق عنده محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أو غيره من الرسل الكرام عليهم السلام، كما نبرأ إلى الله من الذين يشغلون أنفسهم بالتسويغ لذلك والتأويل له، فهناك فئة من المسلمين - هداهم الله - يضعف لديهم الإحساس بخطورة هذا النوع من الكلام الخارج من (جُعبة الشيطان)، وما زلت أذكر كيف تعالى صوت أديبٍ وظهرت جميع عروق رقبته من الانفعال وهو يعلِّل ويؤوِّل قول الشاعر:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بدَّ أن يستجيب القدر |
وكنت قد أنكرت على الشاعر هذا التعبير الذي لا يجوز - مهما كان التأويل - لأن كلمة (لا بدَّ) هنا تنقل معنى البيت إلى معنىً مخالفٍ للشرع، وقد قلت للرجل المنفعل: على رسلك - أيها الرجل - فلن يخسر الأدب العربي شيئاً حينما ننتقد هذا البيت المخالف لما نعتقد، ولن يضرَّ الشعوب العربية أن نقول لها إن عبارة (لا بد أن يستجيب القدر) خاطئة، مخالفة لشرع الله - مهما كان قصد صاحبها -.
وذكَّرت الرجل بنهي الله سبحانه وتعالى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن كلمة (راعنا) بمعنى: خفِّف عنا وأمهلنا، وذلك لأن اليهود كانوا يقولونها ويقصدون بها شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفَه بالرُّعونة وهي القسوة والتهوُّر، مع أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أبعد الناس عن أنْ يقصدوا بالكلمة ما قصد اليهود، ولكن النَّهي هنا تقدير لمقام النبوة، وتعليم للمسلمين بأهمية دلالات الكلمات، والدقة في استخدامها.
وحينما يقول شاعر آخر: (الله مات وعاشت الأنصاب)، ننتقد قوله بشدَّة، ونرفضه رفضاً قاطعاً ونبرأ إلى الله سبحانه وتعالى منه، وإن ورمت أنوف المسوِّغين الذين شطحت بهم ثقافتهم المنحرفة ففقدوا الحسَّ الإسلاميَّ المرهف الذي ينكر - بلا تردُّد - مثل هذه العبارات الضالة المنحرفة.
وحينما يقول كاتب: (الله والشيطان وجهان لعملة واحدة) نقول: نستغفر الله آلاف المرَّات من هذا المنطق الأعوج، والأسلوب الأهوج، ونستغفره آلاف المرَّات من محاولات التأويل والتسويغ لهذا القول المخيف مهما كان صاحبه قريباً منا.
نبرأ إلى الله من هذا الالتواء والاعوجاج، وندعو الأحياء من أصحاب هذه الأقوال من المسلمين إلى التوبة السريعة من أجل ربهم، لا من أجل من يطلقون عليهم (الإسلامويين) أو غيرهم.
لقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً حينما قال له أعرابي: جئنا نستشفع بك إلى الله، ونستشفع بالله إليك، وقال للأعرابي: سبحان الله مرَّات متعددة، ثم قال: إنه لا يُستشفَع بالله على أحدٍ من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟
إشارة:
برئنا إلى الرَّحمن من قول ملحدٍ
ومن فعل زنديقٍ وتأويلِ واهم |
|