* هناك إشكالية في الكتابة للصحف، يعاني منها أولئك الكتّاب، الذين يعبرون عن وجهات نظرهم الخاصة في معظم الأحيان، فمثل هؤلاء الكتّاب، لا يخاطبون شريحة واحدة من الناس، وإنما يخاطبون شرائح كثيرة، منها ما يتوافق مع وجهة نظر الكاتب، ومنها ما يختلف معه، ومنها ما هو بين.. بين، والمشكلة تكمن، في اعتقاد (بعض) الناس، أن الكاتب الذي يقرؤون له، ينبغي أن يتبنى وجهة نظرهم، أو يكتب ما يرضيهم ويتوافق مع ميولهم، أو على أقل تقدير، لا يكتب ما يصادم وجهات نظرهم، وفي هذا المنحى العجيب، استحالة كبيرة، وإشكالية عظيمة، لأن مشارب الناس متعددة، ورضاهم غاية لا تدرك، وليس بوسع الكتّاب أن يتحولوا إلى خياطي ملابس، فتصبح أقلامهم مقصات لا تخطئ المقاسات.
* علمتني الأيام، أن الحروف والكلمات، التي نكتبها أو نقولها، هي في حقيقة الأمر، تكتبنا أو تقولنا وليس العكس، وهي التي يمكن أن تتحول - إن أردنا نحن - إلى جسور متينة لصداقات وثيقة، ويمكن أن تصبح سكاكين حادة، لا تفرق بين لحوم البقر ولحوم البشر.. وعامل التحول في هذا الفارق بين الخير والشر، هو النظر إلى المحتوى، إما بنية حسنة أو غير حسنة، ثم التعاطي مع الطرح القائم، انطلاقاً من ثقافة لا تضيق بالمخالف، أو أخرى تجرمه وتقصيه، وروح تتسم بأدب الحوار، أو هي تجنح إلى غير أدب في الحوار.
* أزعم هنا صادقاً، أني كسبت بالكلمة المكتوبة، صداقات لا حصر لها، وأني لم أخسر أحداً أبداً، حتى الذين اختلفوا معي، لم أخالفهم قط، ولم يخالفوا علي إلا ما شذ، وكنت وما زلت - بحمد الله - في انسجام مع نفسي وما أكتب، لأني أقول ما أعتقد حقيقة، وأترك لغيري حرية الاختلاف، فإن وافقني أو خالفني، فهو في النهاية مكسب كبير لا أفرط فيه، بجفاء مني، أو نبوة، أو شتيمة، أو استعداء وغيبة، كما يفعل بعض الناس والعياذ بالله.
* على هذه الصفحة بوجه خاص، بهذه الجريدة المبجلة، لي صداقة جوار مع أكثر من كاتب، في مقدمتهم الشيخ (سلمان بن فهد العودة)، فهو يكتب كل يوم أحد، عارضاً لوجهة نظر احترمها منه، وإن كنت أختلف معه، وأنا أكتب ما لا يراه هو أحياناً، لكنه بكل تأكيد، يحترم وجهة نظري، وقد عبّر عن هذه الرؤية المتحضرة، قبل عدة أيام مضت، في برنامج تلفزيوني من محطة (المجد)، عندما سئل عن رأيه فيما عرضت له أنا، في شأن (المراكز الصيفية والمخيمات الدعوية)، فقال ما معناه: أني جاره على الورق..! وكل جارٍ، له رأي خاص به في هذه القضية، وفي غيرها من القضايا.
* أنا أشكر جاري الشيخ (سلمان بن فهد العودة)، على سعة صدره، وحسن جواره وحواره، وأحترم وجهة نظره الذي عبّر عنها في مقاله المكتوب، بعد مقاله المتلفز، عن هذه (المراكز الصيفية)، فهو لم يشتم أحداً، ولم ينتقص من أحد، ولم يوغل في مدح المراكز، كما لم ينفِ عنها النقص والعيب، وهو بذلك يلتقي معي في رأيي الذي قلته فيها في مقالي موضوع النقاش.. لكن الذي حدث، أن الحماس أخذ بعنان (بعض) الأقلام، فأعماها عن الرؤية البينة، فلم تدرك ما رميت إليه، من ضرورة الرقابة والمتابعة والتطوير والتحديث، ولم تر أو تلحظ، ما تحرزت به في المقدمة من (التبعيض)، ولعل (البعض) الذي ركب موجة الدفاع المستميت، انطلق في رده أو شتمه - سامحه الله - من باب (قالوله)..! أو جاء فزيعاً، أو أملي عليه من كائد. نسأل الله العفو والعافية لنا جميعاً.
* أعود لجاري في جواري على هذه الصفحة من الجزيرة، الشيخ (سلمان بن فهد العودة)، فقد توقفت عند حادثة عرض لها هو، في حديثه المتلفز تتعلق بما اسماه:(معروفاً أسداه لي جاري السالمي قبل سنوات.. ولو عرف خلفية الأمر وقتها لما فعل ذلك)..!!
* الواقع الذي - ربما - لا يعرفه كثير من الناس، أن أمر هذا المعروف المشار إليه، يتعلق بقصيدة بليغة مجهولة القائل، كانت تتوجع..! وهي طارت - على غير عادة البريد - بختم بريد الرياض، وليس بختم بريد القصيم..! إلى صندوقي في الطائف المأنوس، فتعاملت وقتها في مقال منشور لي، مع النص المعروف، وليس الشاعر المجهول، وكان ما كان..! ولو كنت أعرف يومها، أن هذا النص الشعري الذي أمامي، هو الشيخ (سلمان العودة)، لتعاملت معه بشكل آخر، لا يحكمه - بطبيعة الحال - معروف مبذول، أو معروف ممنوع، وإنما رد جميل، على موقف قديم للشيخ (سلمان) حفظه الله، يعود إلى العام (1412هـ)، ففي هذا العام، وتحديداً في (13 شوال) منه، كتبت مقالاً في هذه الجريدة تحت عنوان:( الخوارج الجدد)، فلربما رأى فيه (بعضهم)، خروجاً على المألوف في تلك الفترة، حتى جاء الوقت الذي أصبح غير المألوف من المألوف، وذلك بعد حادث (11 سبتمبر 2001م) المشئوم. في تلك الفترة المشحونة بعد حرب تحرير الكويت، كثر المتصيدون والمتربصون، وظهر الفرزيون والمصنفون، وكان منهم من يستعدي أو يحرض، أو يستنطق (بعض) العلماء والمشايخ، لتفسيق فلان أو علمنة فلان من الناس، وأحسب أن الشيخ (سلمان العودة) في تلك الفترة، كان متنبهاً لمثل هذه اللعب، حذراً من بعض الأحابيل، فما مكّن أحداً من غرض تشنيع أو انتقاص، عوضاً عن تفسيق أو علمنة.. أحسبه كذلك، والله حسيبنا جميعاً، فقد بلغني وقتها، أنه (ربما) دافع عني في واحد من أشرطته الصوتية، التي شرقت وغربت، وكان يرد على انتهازي متصيد، يذكرني بسوء، ويذكر مقالي إياه في سؤال خبيث، من تلك الأسئلة الاستدراجية المعروفة، تمهيداً لفرزي ثم تصنيفي مع شريحة (العلمانيين)..! وقد تطوع عشرات الناس يومها - مشكورين مني، مأجورين من رب العالمين بما يستحقون - فأهدوني نسخاً كثيرة من الشريط إياه، لكني نذرت على نفسي منذ ربع قرن، ألا أسمع شريطاً من هذه الأشرطة، التي طابعها الصراخ والصياح والنواح، فوقيت نفسي مما يريبها، وحميت أذني مما يعيبها، وبقيت على هذا المبدأ حتى يومنا هذا، فما سمعت شريط جاري العودة من غير أسفٍ، ولكني أحفظ له جميله الذي قدّم - إذا كان ما قيل لي صحيحاً - منذ ثلاثة عشر عاماً فلا أنساه، فهو قد مدّ إليّ (شريطاً) للصداقة والحوار والجوار منذ تلك الفترة ، وهو لا يعرفني، أما اليوم ، فنحن في الجوار وفي الحوار أصدقاء إن شاء الله، حتى لو غابت عن جاري قصة الشريط إياه، الذي كان سبباً في معرفة قديمة، فهو لم يتذكر قصة الشريط، وتذكر قصة القصيدة، وهذه حسنة تحسب لبعض القوافي الشعرية، على بعض الأشرطة الصوتية.. ربما..!
027361552:fax
|