ذلك الإنسان المزوِّر، الذي لم يعرف المنطق إلى خطابه سبيلاً، الذي يدَّعي الذود عن الإسلام، ويرفع شعاراته، المكتظ لحماً وشحماً، واللاجئ السياسي في لندن، الذي يعيش في كنف دافع الضريبة البريطاني، بعد أن أعطاه البريطانيون كل حقوق اللجوء، والبقاء، والتعبير عن الرأي بحرية، يأتي -وبكل ما تعنيه الكلمة من بجاحة وقلة أدب ونكران- ليرفع عقيرته في إحدى القنوات الفضائية مدافعاً عن (القاعدة) وأحقيتها في قتل الناس، ونثر أشلاء البشر، على اعتبار أن ما تمارسه تلك الوحوش البشرية هو ضربٌ من ضروب (الجهاد) المشروع!.
ثم يصفُ كل مخالف له من الأوروبيين على أنه (صليبي) مُهدَر الدم والمال والعرض. هنا يتجلى القبح في أخس صوره، والتخلف في أحط أشكاله، وقلة الوفاء والانحدار الأخلاقي في صورة لا مثيل لبشاعتها.
والغريب أن مثل هذا الكائن البشري يقول مثل هذا الكلام ثم لا يستحي أن يقف من الغد على شباك (التأمينات الاجتماعية) الإنجليزي يُطالبُ بحقه (!) عداً ونقداً في التأمين الاجتماعي من ذلك (الصليبي) الذي يتحين هذا العليل الفرص لقتله والانقضاض عليه وتمزيقه إرباً إرباً، كما فعل أقرانه في مدريد!.
هذه الصورة ليست صورة كاريكاتيرية أيها السادة، إنما هي حقيقة واقعة يُمارسها في البلدان الأوروبية الكثير من قادة مَن يتسمون ب(السلفيين الجهاديين)، الذين فتحت لهم هذه الدول حدودها، وحمتهم وأعطتهم كل سبل العيش الكريم، مِنحاً سخية من قِبَل دافع الضريبة، كل ذلك تحقيقاً لمفاهيم أخلاقية وإنسانية هي بكل تأكيد مفاهيم لا تعرفها قواميسهم، ولم تصل إليها أخلاقهم، واستعصت على استيعابها عقولهم المتوحشة، التي لا تعرف إلا الذبح والدم والتفجير والتخريب.
أي إسلام هذا الذي يقابل العطاء بالجحود والنكران، وأي (جهاد) ذلك الذي يُجيز لك أن تأخذ بيدك الشمال ثم تطعن من أعطاك بيدك اليمين، وأي (سلفية) تلك التي تؤكد أن الدم والقتل والذبح والتفجير والتدمير هي والدعوة إلى الله والذب عن سبيله وجهان لعملة واحدة؟ ثم كيف يكون (قتل الغيلة)، وترويع الآمنين، والتلذذ بنثر أشلاء البشر، هي من (الحكمة) و(الموعظة الحسنة) التي أمر الله جل وعلا بها عند ممارسة الدعوة إلى الله؟!
إنه التفسير المغرض لنصوص الإسلام ومفاهيمه، الذي يسوقه أولئك المرضى، الذين استغلوا الأوضاع النفسية والاجتماعية والاقتصادية المتردية للإنسان المسلم، ووظَّفوا الشعور بالهزيمة، وبتفوق الآخر، لخلق حالة (جنونية) من المقاومة، حالة لا تتخذ إلا التشفي سبيلاً، والتخبط منهجاً، وليّ أعناق النصوص الشرعية في الإسلام إلى عكس مقاصدها وأهدافها تماماً.
مجازر العراق، كما هي مجازر الرياض، كما هي مجازر المغرب، كما هي مجزرة مدريد، أو مجزرة نيويورك وواشنطن، لا يبررها إلا الحقد والجنون والشذوذ العقلي، ولا يقبلها إلا المختل في معاييره ومقاييسه، ولا يحتفل بها إلا الإنسان المهزوم الفاشل.
|