لا أعتقد أن ثمة خلافاً على الأصابع اليهودية القذرة، المتغلغلة في مجالات عديدة من حياة الشعوب والدول، تلك الأصابع التي تهدف إلى غاية محددة هي (الفساد في الأرض)، وهذا هو التعبير القرآني { وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } (سورة المائدة 64).
إن استعمال الفعل المضارع في الجملة يدل على التجدد والاستمرار، فليس سعيهم للفساد مرحلة تاريخية انتهت؛ لكنه قدرهم الكوني إلى يوم يبعثون! وقد استطاع اليهود أن يهيمنوا على كثير من مقدرات الأمم من خلال كيدهم المدروس، وفي غيبة الوجود الإسلامي القادر على إحباط مؤامراتهم، وفضح ألاعيبهم.
إن العبقرية اليهودية في الهدم والتخريب ليست -فيما أحسب- موضع جدل، تلك العبقرية التي (تستغل) الأحداث لصالحها، فهي لا (تصنع) الأحداث، ولكنها (تستثمرها).. وهذا يجعلها أقل تضحية، وأوفر قوة، وأبعد عن المواجهة التي لا تؤمن عواقبها.
ولليهود وجود مؤثر في الدول الكبرى، اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وإعلاميًّا، ولم يكونوا غائبين عن النظامين العالميين: الرأسمالية، والشيوعية،ولا عن الثورات الكبرى في العالم، وثمة عدد غير قليل من المنظمات العالمية التي تسهر على خدمة أهداف اليهود.. أبرزها: (الماسونية) - اللغز الذي حير أذهان الباحثين-، ثم (الليونز)، و(شهود يهوه).. الخ.
كل هذا ليس موضع حديثنا، لكن ألا يحتمل أن في الأمر نوعاً من المبالغة المقصودة، أو غير المقصودة؟ هذه الصورة الجاثمة في عقول الكثيرين أن اليهود هم الذين يحركون العالم، وهم زعماؤه السياسيون، ومفكروه، ومبدعوه، وهم وهم، وأن الشخصيات المهمة من غير اليهود ماهي إلا (أحجار على رقعة الشطرنج) على حد تعبير وليام غاي كار!
ولم لا نفترض أن اليهود أنفسهم- بحكم نجاحهم إعلاميًّا- هم وراء نشر هذه التصورات، التي تجعل خصومهم أسرى وَهْمٍ كبير مُؤَدّاه: أن اليهود قوة خفية لا تقهر، وأخطبوط رهيب متغلغل في جميع الدول؛ ولذلك فإن كل من يتصدى لهم عسكريًّا أو فكريًّا يتعرض لأقسى الهزائم، فردًا كان، أو مؤسسة، أو دولة.
إن هذا الكم الهائل من الكتب التي تتحدث عن اليهود، ودورهم الخطير تساهم في تهيئة الجو للتسليم بالأمر الواقع، وتمنح تفسيرًا جاهزًا لجميع الهزائم التي منيت بها الأمة.. الهزائم الحضارية، والعسكرية على حد سواء. إن إحساس الناس بأن (كل شيء) مدبر ومبيت، ومدروس من قبل (الماسونية)، التي أصبحنا نستنشقها مع الهواء الذي نتنفسه، ونتعاطاها مع الطعام والشراب يقعد بهم عن المقاومة، والمواجهة، والجهاد.
وبين يديَّ مجموعة غير قليلة من الكتب التي تتحدث عن هذا (الأخطبوط) المنفوخ: ككتاب (اليهودي العالمي)، وكتاب (بروتوكولات حكماء صهيون)، وكتاب (أحجار على رقعة الشطرنج)، والذي تحدث مؤلفه عن (النورانيين)، وهم جماعة سرية جديدة داخل الماسونية، أي خاصة الخاصة! يضاف إلى ذلك عشرات الكتب عن الجمعيات السرية اليهودية.
وما يقال عن اليهود يمكن أن يقال عن أي عدو آخر، ينتهج سياسة الإرهاب الفكري والعسكري، فمثلاً: أجهزة الاستخبارات العالمية، مثل: (السي آي إيه)، أو ما كان يعرف ب(الكي جي بي)، أو (الشين بيت) أو غيرها من مؤسسات التجسس الظاهرة أو المغلقة، أو الجماعات التنصيرية الاستعمارية، أيًّا كانت لافتاتها كل هذه المؤسسات أصبحت ذات وجود قوي في عدد من المواقع والدول؛ بل وأصبح لها وجود قائم بذاته في أكثر من بلد إسلامي، وأصبحت تفسيرًا جاهزًا لكل حدث.
ويعتقد بعض من يهول شأنها، ويعطيها أكبر من حجمها، أن من يتحدث عنها، أو يفضح خططها، أو يكتب، أو يحاضر فهو مهدد في رزقه وحياته، إذاً فليسكت الجميع حفاظاً على أرزاقهم وأرواحهم، إن الله -تعالى- يقول: {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (سورة النساء 76).
فأمام الإيمان الواثق تنهار جميع المؤامرات، وتفشل جميع الخطط، لكن لابد من نزع عنصر (الخوف) الذي قتل كثيرًا من الهمم، وأحبط كثيرًا من الأعمال، والأحداثُ تؤكد أن (الوهم) قد يقتل! وحين توجد الفئة المؤمنة الصابرة يتحطم الكيد كله - يهوديًّا كان أم غير يهودي- أمام صخرة التقوى {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (سورة آل عمران 120).
وهذا لا يعني -بحال من الأحوال- تجاهل قوة العدو أو التقليل من شأنه، حتى لو كان عدوًّا حقيرًا، فضلاً عن عدو مدجج، وقديمًا كان الشاعر العربي يقول:
لاتحقرنَّ صغيرًا في مخاصمة
إن البعوضة تدمي مقلة الأسد |
لكن من الممكن جدًّا أن نسلك طريق الاعتدال في تقدير حجم العدو؛ فلا نبالغ في تهويل قوته بما يوهن قوانا، ويفت عزيمتنا، ويسوغ لنا الهزيمة، وفي المقابل لا نستهين به أو نتجاهل وجوده. فرق أي فرق بين من ينكر وجود (الماسونية) -مثلا-، وبين من يعزو إليها كل ما يحدث في الكون.
ولعل ما يُستفاد من الانتفاضة المباركة في فلسطين، تعديل نظرة الكثيرين عن (إسرائيل التي لا تقهر)، فلقد قهرها أطفال ليست في أيديهم سوى الحجارة، وعما قريب لن يقف دور (الحجر) عند هذا الحد؛ بل سيتعدى إلى أن يقول للمسلم: (يامسلم، ياعبدالله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله) كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
|