ان مجرد سماع هذا المرض الوبيل أي (حمى الدماغ) كان يرعب الامهات، ولا يزال يملأ نفوس بعضهن خوفاً وقلقاً حتى في العصر الحاضر.
إلا أن هذا الخوف من حمى الدماغ أصبح لا سبب له، نظراً للمستوى الذي ارتقى إليه الطب.
ولكن لابد أولاً من تفسير وجيز لهذا المرض.
الدماغ مغلق بغشاوة لينة كثيرة الاقنية أو الاوعية الدموية والنخاع الشوكي أيضاً في سلسلة الظهر مغلق بمثل هذه الغشاوة. وتسمى هذه الغشاوات (السحايا).
وفي باطن السحايا مادة سائلة تسمى المادة السيسائية، وليس المرض الرهيب المذكور سوى التهاب السحايا أو المادة السائلة، ويحدث الالتهاب عن هجوم نوع من الجراثيم عليها، أي أن المرض مرض جرثومي.
وأعم أشكال هذا المرض هو الالتهاب مع التقيح. وهو اصابة بالحلق والانف في المرحلة الاولى. ثم تليها مرحلة حمى منهكة مع تقيؤ شديد وصداع.
ولا يمكن ان يخطىء الطبيب في التشخيص فان الطفل المصاب بهذا الاعراض يضطجع على شكل حلزوني ويخاف النور ولا يرضى أن يمسه أحد ويشكو من تشنج شديد في رقبته.
وأول ما يفعله الطبيب في هذه الأحوال هو انه يغرس ابرة في أسفل الظهر ويستخرج من بين فقرتين من فقرات سلسلة الظهر جزءاً من المادة السيسائية. فاذا كان يحتوي على جراثيم وعلى قيح فما من شك ان الطفل مصاب.
الا أن الشفاء مضمون في المبيدة للجراثيم الحية من فصيلة البنسلين. ولا خطر الوقت الحاضر بواسطة الادوية على الطفل من آثار المرض فيما بعد.
أما الشكل الثاني فهو التهاب يتسرب إلى السحايا عن طريق الاذنين والانف. ويحدث احياناً ان الجراثيم تكون رواسب في الاوعية المشتملة على المادة السيسائية. مما يعوق تسرب الادوية إلى داخلها.
وفي هذه الحالة قد يخشى ان يترك المرض آثاراً وخيمة في بدن الطفل ولا سيما في دماغه.
وقد يصاب الاطفال خاصة بعصيات (بفايفر) فتقع بهم حمى دماغية عسيرة التشخيص وفي جميع الاحوال يتثبت الطبيب من الاصابة باستخراج المادة السيسائية من بين فقرات سلسلة الظهر.
ومن أنواع حمى الدماغ أيضاً الحمى الناتجة عن عصيات (كوخ) ولكن مصل (كالميت وغيران) أضحى دواء حاسماً لا مجال معه للمفاجآت، علماً أن هذا المرض انما كان الموت نهايته الاكيدة حتى ربع قرن خلا.
كما ان حقن الادوية في القناة السيسائية كان مؤلماً جداً للمريض وانما قد ولى عهده، وأصبح يكتفي بمناولة المريض بعض اقراص الادوية بالفم مدة سنة.
ويلاحظ على الاجمال ان هذا المرض الذي كان حتى الأمس يلقي الذعر في نفوس الوالدين، انما أصبح يعالج بالأدوية المبيدة للجراثيم الحية، وقلما يموت اليوم أحد بحمى الدماغ.
|