بينما كنت أقلب صفحات جريدة الجزيرة توقفت عند قصيدة للشاعر فهيد البقعاوي تحمل عنوان (بوح معاق) وذلك في يوم الأحد 23-5 وفي صفحة مدارات شعبية.
وهي في الحقيقة قصيدة رائعة تحمل من المعاني والابداعات الشيء الكثير فقد أبدع الشاعر في تصوير حالة المعاق وحال كثير من الناس تجاهه بين منصف له ومهمل.
حيث بدأ الشاعر مطلع قصيدته بسؤال؟؟ حيث قال:
السؤال اليوم حتم ينتظر رد الإجابة
ينتظرها والليالي جورها زاد وكبر
هي كلمة بس كلمة خيرها مثل السحابة
يوم هلت واستهلت وافترش روض خضر
فالبيت الثاني يحمل معنى كبيراً.. حيث بين الشاعر أن الانسان ربما يقول كلمة واحدة ومع ذلك لها خير كثير وكبير.. وشبه الكلمة الطيبة بالسحابة الممطرة المباركة التي تنبت الربيع.
فرب كلمة رفعت صاحبها ورب كلمة قالت لصاحبها دعني.
فكن خصيم نفسك واختر لنفسك الأصلح.
ثم انتقل الشاعر نقلة رائعة وقال:
مجتمعنا دوم واحد بالتكاتف والحبابه
ما يبي هم الليالي يتبعه هم وكدر
وفي هذا البيت توضيح لحال مجتمعنا المتماسك مجتمعنا المتلاحم.
وهذا ما أمرنا به ديننا الحنيف وحث عليه ورغب فيه.
فالمسلم للمسلم كالبنيان.
والمسلم أخو المسلم.
ثم بدأ الشاعر بالتحدث عما يريد التحدث عنه والذي نظم القصيدة لأجله.
حيث قال:
وين حنّا من اتبعه كثر الكآبة
ينتظر منا محبة ينتظر كله صبر
نظرت عيونه وربي ترجمت كل المعاني
ترجمت كل المعاني بين آهات وسهر
وين حنّا وين حنّا ليه ما نسمع عتابه
هو منا هو ولدنا ليه نتركه بقهر
والمصيبه ناس والله ما تبي حتى سرابه
بعضنا زاد وتكبر ما حمد رب البشر
قام يستهزي بشكله نظرته فيها غرابه
مادري ان الاله بحكمته فيها خبر
حيث ذكر الشاعر في تلك الأبيات توضيحاً لحال المعاق والذي هضم كثير من الناس حقه وهو ينتظر منهم رأفة ورحمة وينتظر منهم ممازحته ومداعبته إن كان صغيراً، واستشارته واحترامه ان كان كبيراً.
ثم ذكر الشاعر المصيبه العظمى ليس فقط اهماله وعدم القاء بال له بل زاد الأمر إلى احتقاره وازدرائه والتكبر عليه بل والاستهزاء به.. ألم يعلم هذا المستهزئ ان هذا من عند الله. وان الذي أصابه بذلك قادر على شفائه وابتلاء هذا المستهزئ .. فبدلاً من أن تحمد الله وتشكره على ما من به عليك من صحة في البدن وسلامة في الحواس تستهزئ وتشمت بهذا الضعيف المسكين؟ بل إن بعضاً من المتكبرين إذا دخل مجلساً فيه معاق سلم على الجميع وترك هذا المعاق كأنه ليس موجوداً. وهذا تكبر مقيت نهى عنه شرعنا الحنيف.
ألم تعلم أيها المتكبر أن هذا المعاق ربما يكون أعلى منك منزلة عند رب العالمين وهناك الفخر والتباهي.
فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره.
ثم انتقل الشاعر في تصويره إلى الطرف الآخر:
وبعضنا هذي حقيقه نظرته فيها دعابه
يضحك بوجه المعاق وجامع باقة زهر
وده يشيل التعاسة من عيونه والرتابه
ما يبي هم الليالي باقي فيها أثر
حيث ذكر الشاعر واقع المنصفين الذين أعطوا المعاق حقه ومنحوا المعاق احترامهم وهذا هو المفترض وهذا هو الواجب ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث كان يرحم الصغير ويحترم الكبير ويحمد على المصاب..
فالواجب علينا جميعاً تجاه هذا المعاق إحسان معاملته واحترامه ومعاملته كغيره من الأصحاء.. من غير أن يشعر أن في ذلك تكلفاً ومجاملة.
ثم انتقل الشاعر إلى ختام القصيدة:
هي حقيقة لو نكابر الاصابع ما تشابه
والمعاق اليوم يسأل وينكم ياهل الغدر
فمعلوم أن أصابع اليد ليست متشابهة فليس السليم كالمعاق فلابد أن نعذر هذا المعاق إن بدر منه تصرف غير حسن.
وأن نلتمس له الأعذار.
ثم ختم الشاعر قصيدته:
والسؤال ينوح يرجي وينها رد الإجابة
ينتظر رد الليالي والألم زاد وكبر
فليسأل كل منا نفسه؟
هل أعطى المعاق حقه وهل عامله كما يجب علينا معاملته به؟؟!!
وأحب أن أشيد بهذه القصيدة الرائعة والتي تناول فيها الشاعر هذا الموضوع الهام.
بخلاف واقع كثير من شعرائنا فتجد جل بل كل قصائده بالغزل والهيام وغالباً ما يكون وهمياً.
وليس للقضايا الاجتماعية من شاعريته نصيب.
ان على كل شاعر مسؤولية في أن يوظف شاعريته فيما ينفع ويفيد من حل لقضايا اجتماعية أو نصيحة هادفة أو توجيه رشيد.
ولا يعني كلامي هذا ترك الغزل البتة.. فلا بأس بالغزل العفيف المحافظ.
فكل مسؤول عما نطق وكتب إن خيراً فخير وإن شراً فشر فكن من أهل الخير واستغل شاعريتك.ثم أين شعراؤنا من جراح أمتنا الغائرة .. هلا ضمدنا جراح أمتنا ولو بقصيدة معبرة.
ختاماً أرفع شكري لصفحة (مدارات شعبية) وللمسؤولين عنها والتي دائماً ما تتحفنا بالقصائد الرائعة المعبرة.حيث فتحت المجال لإبراز المواهب ورعايتها ونأمل منها المزيد والمزيد. وإلى الأمام.